تزداد محن اللاجئين ومآسيهم قتامة يوما بعد آخر مع تواصل سقوط مئات الضحايا بين آلاف يكابدون يوميا الويلات في رحلاتهم بين شرق أوروبا وغربها هربا من بؤر الحروب والنزاعات. ويأتي ذلك في وقت تكثفت فيه التحركات الدولية لإيجاد حلول ملائمة تهون من وقع الأزمة المتفاقمة.
وكان اليومان الماضيان صادمين للعالم والمجتمع الدولي، بعد انتشال قوات خفر السواحل الليبي أكثر من مئة جثة أغلبها لنساء وأطفال جرفتها المياه إلى الشاطئ إثر غرق قارب يقل 400 لاجئ قرب بلدة زوارة غربي البلاد. وقال الهلال الأحمر الليبي إن حوالي مئة آخرين ما زالوا مفقودين, بينما أنقذ 198 من الغرق.
وفي حادث مأساوي ثان، عثرت السلطات النمساوية يوم الخميس على أكثر من سبعين جثة في شاحنة براد على طريق سريع قرب الحدود مع المجر, ورجحت أن يكون الضحايا من السوريين. واعتقل الأمن النمساوي ثلاثة بلغاريين وأفغانيا داخل الشاحنة للاشتباه بهم في المسؤولية عن تهريب هؤلاء ووفاتهم اختناقا.
ويأتي ذلك فيما يتواصل يوميا تدفق آلاف اللاجئين على اليونان ومنها يعبرون إلى مقدونيا وصربيا ثم إلى المجر لينطلقوا منها نحو بلدان غنية في غرب أوروبا على غرار ألمانيا والسويد والنرويج.
ولا تسمح السلطات المجرية لمن تمكن من بلوغ أراضيها بالتوجه بالقطار نحو ألمانيا، علما بأنها أقامت جدارا من الأسلاك الشائكة على حدودها مع صربيا, وهي بصدد تعزيز هذا الجدار كي يستحيل تخطيه.
وتعتزم المجر تشديد العقوبات على من يعبرون حدودها بشكل غير شرعي، واقترحت الحكومة الجمعة إنزال عقوبة السجن ثلاث سنوات بأي شخص يتسلل عبر السياج الشائك. كما اقترحت إنزال أحكام أشد بالسجن بحق مهربي اللاجئين.
قوة مشتركة
وفي سياق الجهود الأوروبية الحثيثة لمواجهة الأزمة، قالت المتحدثة باسم الشرطة الاتحادية السويسرية كاتي ماريتان إن سويسرا تستعد مع ألمانيا وإيطاليا لإطلاق قوة مشتركة لكشف وتفكيك شبكات تهريب اللاجئين، وأضافت أن هذه القوة المشتركة ستبدأ العمل الشهر المقبل.
من جهته، قال المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية جويل ميلمان إن غياب استراتيجية واضحة تتعلق باللاجئين من شأنه أن يؤدي إلى استمرار ارتفاع أعداد من يلقون حتفهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا. وطالب ميلمان بضرورة العمل على وضع استراتيجية واضحة بهذا الخصوص.
وقال مسؤول العلاقات الخارجية في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فراس كيال إن ما يحصل في دول أوروبا هو من تداعيات الأزمة السورية وعدم حلها منذ البداية, وإن مشكلة اللاجئين ستستمر في التفاقم ما لم تُحل هذه الأزمة.
وأضاف كيال في مقابلة مع الجزيرة أن المفوض السامي طلب من جميع المسؤولين الأوروبيين وضع استراتيجية متكاملة بحيث يوزع اللاجئون بشكل عادل على جميع الدول الأوروبية.
وتعيش أوروبا انقسامات في ما يخص معالجة أزمة اللاجئين, وتعلو أصوات تطالب بتوزيع اللاجئين وفق نظام الحصص بين دول الاتحاد الأوروبي، بيد أن قادة الاتحاد الأوروبي يبدون غير قادرين على اتخاذ قرارات من هذا القبيل خشية معارضة عنيفة من قبل القوى اليمينية غير المرحبة بالمهاجرين.
تحرك دولي
وعلى الصعيد الدولي أيضا، شدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس الجمعة على "وجوب القيام بالمزيد" لحل أزمة اللاجئين، معلنا عن اجتماع للغرض على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر المقبل في نيويورك.
وأعرب بان في بيان عن "صدمته الشديدة وألمه الكبير لمصرع اللاجئين" في البحر الأبيض المتوسط ومناطق بأوروبا. وقال "أوجه نداء لجميع الحكومات المعنية حتى تقدم حلولا شاملة وتطور قنوات شرعية وآمنة للهجرة وأن تتصرف بإنسانية ورحمة واحترام لواجباتها الدولية".
وشدد على أن "طلبات اللجوء لا يجب أن تخضع لمعايير على أساس الدين أو الهوية أو إجبار طالبي اللجوء على العودة إلى المناطق التي فروا منها متى كانت هناك مخاطر اضطهاد أو هجمات".
وأكد أن "الأمر ليس فقط (تطبيقا) للقانون الدولي بل أيضا واجبنا باعتبارنا بشرا". كما حث الحكومات على "المزيد من التصميم لحل النزاعات وباقي المشاكل التي تجبر الناس على الفرار" من أوطانها، لأنه "من دون ذلك سيتفاقم أكثر عدد المهجرين".
الجزيرة نت