بوروندي.. سيناريوهات مفتوحة نحو الأسوأ (تحليل)

أربعاء, 11/11/2015 - 13:08

سياق مرتبك تعيش على وقعه بوروندي منذ أكثر من 6 أشهر... أزمة سياسية وأمنية خانقة بدأت تأخذ منعطفا خطرا استوجب تعبئة دولية ضمن مساعي حثيثة لتطويق الوضع. ومع أنّ جميع المؤشرات تمنح انطباعا بأنّ القادم قد يكون أسوأ، إلا أنّ الضبابية المطبقة على إحداثيات الوضع عموما، تفتح الأبواب على أكثر من فرضية، بل إن جميع السيناريوهات تظل واردة، دون استبعاد شبح الإبادة الجماعية.

ماواييلا تشييمبي، مدير المركز الجيوسياسي بجامعة نانسي بفرنسا، قال، معقبا عن الموضوع للأناضول، إنّ "كل شيء وارد، حتى إنّه من المحتمل أن نشهد عملية تطويق كاملة تهدف إلى تصفية المعارضين، بما أنّ الحكومة لديها الوسائل اللازمة للقيام بذلك"، قبل أن يستدرك قائلا، في تصريح للأناضول: "لكن من يدري، قد يحدث ما نخشاه في حال استمرار الضغط، وهو المجازر والإبادة الجماعية".

وفي الواقع، فإن شبح الإبادة الجماعية أضحى مخيّما على النقاش العام حول الأزمة في بوروندي، خصوصا على خلفية التصريحات النارية التي اتهم من خلالها الرئيس الرواندي، بول كاغامي، بطل النضال ضدّ النظام القمعي المسئول عن الإبادة الجماعية التي هزت رواندا في 1994، برئاسة جوفينال  هابياريمانا (1937- 1994)، نظيره البوروندي، بيير نكورونزيزا، بـ "تقتيل شعبه"، لافتا إلى أن مناخ العنف المخيم على البلاد من شأنه أن يتحوّل إلى إبادة جماعية.

وتابع كاغامي، خلال احتفال عام جرى الجمعة الماضي، وتناقلته وسائل الإعلام المحلية، إن "(ما يحدث في بوروندي) يحيلنا على ما جرى هنا، وقد كان حريّ بهم الاتّعاظ من ماضينا".

انتقادات "لاذعة" فجّرت جدلا واسعا في الداخل، وألهم وسائل الإعلام الغربية الطرح الأقلّ تفاؤلا لفرضيات تطور الأزمة البوروندية، حتى أنّه وقع تداول بعض التصريحات المنسوبة إلى وزير الأمن العام في بوروندي، آلان بونيوني، ألمح من خلالها إلى احتمال حشد عرقية "الهوتو" التي تمثل الأغلبية في البلاد، ضدّ "التوتسي" (أقلية). تصريحات أدانتها بوجمبورا، ووصفها المتحدّث باسم الشرطة البوروندية، بيير نكوريكي، في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع التواصل "فيسوك" بـ "الزائفة".

نكوريكي أضاف أنه "لا يوجد حي في بوروندي تسكنه عرقية واحدة (...) وحتى عناصر قوات الأمن (...)، جميعهم يقيمون بنفس المناطق".

وفي سياق متّصل، دعا النائب الأوروبي، لويس ميشيل (بلجيكي)، أمس الثلاثاء، إلى اللجوء إلى قسم منع الإبادة الجماعية التابع للأمم المتحدة،  لوضع حدّ للأزمة البوروندية. موقف ردّ عليه مستشار الرئاسة البوروندية، ويلي نيامتوي، بشكل مقتضب، في تصريح لوسائل الإعلام، قائلا إن "لويس لا يحظى بمصداقية في ما يتعلق ببوروندي".

وبالنسبة لمدير المركز الجيوسياسي بجامعة نانسي بفرنسا، فإنه "ولئن قمعت الحكومة البوروندية، في البداية، جميع معارضيها بشكل عشوائي، غير أنه، وبتفاقم الأزمة، أضحت عرقية التوتسي التي تمثل أقلية في هذا البلد، لكن أغلبية في رواندا المجاورة، من أكبر المتضررين وصاحبة أكبر عدد من الضحايا".

ومنذ أشهر، أصبح العثور على الجثث من المشاهد اليومية التي تنبض على إيقاعها حياة البورونديين. احتجاجات سلمية مندّدة بترشح نكورونزيزا إلى ولاية رئاسية يحظرها دستور البلاد واتفاق "أروشا" لعام 2000، والذي وضع حدا للحرب الأهلية (1993- 2005)، سرعان ما تحولت إلى أعمال عنف تؤججها عناصر مسلحة مجهولة.

عنف أربك المشهد العام وقلب جميع الموازين، حتى أنه "من الصعب تبيّن من يقاتل ضدّ من"، بحسب الخبير الكونغولي، والذي أوضح أنّ "الناس الذين يموتون هم أولئك المحسوبين على المعارضة، والقتلة يمكن أن يكونوا مجموعة مسلّحة تحمل هدفا سياسيا، وتشكّل مجالا يمنح النظام إمكانية التمويه وتبرير ما يقوم به".

وفي الأثناء، ووسط حالة الإحتقان والفوضى، تتواصل عمليات نزع سلاح المتمردين منذ الأحد الماضي، من قبل السلطات البوروندية، مستعرضة ما تضبطه لدى هؤلاء من أسلحة وقنابل يدوية وغيرها.

أما بخصوص سيناريو "الإبادة الجماعية" المهيمن على الجدل حول الأزمة البوروندية، فقد أعرب تشييمبي عن "تحفّظه" حيال هذا المصطلح، الذي يعني "من الناحية القانونية، تعمّد إبادة مجموع بشرية معيّنة"، مكتفيا بالقول إنه "في حال توضّحت المساعي نحو الإبادة الجماعية، مستهدفة عرقية التوتسي على وجه الخصوص، فإن رواندا، ستحتفظ، حينذاك، بحق التدخّل، وهذا يعني أننا سنشهد حربا إقليمية".

قراءة استند المحلل السياسي التوغولي من خلالها على جملة من المعطيات أبرزها "ما صرّح به الرئيس الرواندي من أنه لن يقبل أبدا بحدوث إبادة جماعية ثانية للتوتسي، سواء كان ذلك في الكونغو الديمقراطية أو في بوروندي"، على حدّ قوله، محذّرا أنه في حال "تجاوز مستوى معيّن، فمن المحتمل أن يلجأ كاغامي إلى رفع ورقة حقّه المشروع في الدفاع عن عرقيته".

سيناريو الإبادة الجماعية المحتمل يلقى سندا له أيضا في ردود الأفعال الدولية في هذا الصدد، حيث من المنتظر أن تناقش الأمم المتحدة، هذا الأسبوع، مشروع قرار ينص على فرض عقوبات ضدّ المسؤولين عن العنف في بوروندي. توجّه دولي عقب عليه مستشار الرئاسة نيامتوي، في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر"، بالقول إن "التهديد بفرض عقوبات وتعليق المساعدات لا يمثلان المنهج الصحيح".

تضييق الخناق الدولي يمكن أن يكون حاسما في الدفع نحو أحد السيناريوهات دون غيرها، يتابع الخبير الكونغولي، فـ "إما الاستمرار في الفوضى أو سيطرة النظام أو الحرب الإقليمية.. لكن ما الذي يمكن للمجتمع الدولي أن يفعله في الأخير؟"، معتبرا أن "قرار واشنطن الأخير  بسحب بوجمبورا من برنامج قانون النمو والفرص لافريقيا، وذلك انطلاقا من يناير/ كانون الثاني 2016، "لا يبدو وأنه أثار قلق النظام".

وبحسب المراقبين الدوليين، فإن حدوث انقلاب يمكن أن يكون حلا في مواجهة الأزمة البوروندية. غير أن حتى هذه الفرضية قد لا تجد سندا لها قويا على الأرض، بما أن الانقلاب الفاشل في 13 مايو/ أيار الماضي، أثبت أن الأجهزة الأمنية والعسكرية خاضعة بقوة لنكورونزيزا، وفقا لأحد الدبلوماسيين الأفارقة المستقرين في العاصمة الرواندية كيغالي.

ضبابية لخصها تشييمبي بالقول إن "زعماء المعارضة في المنفى ووسائل الإعلام الخاصة مغلقة"، متسائلا "ما إن كان ينبغي انتظار مقتل الآلاف لبلوغ نهاية النفق؟".

 

المصدر : الأناضول