المكتب السياسي يصدر وثيقة حول " الفساد و محاربته و التطورات الأخيرة في موريتانيا "

ثلاثاء, 26/05/2015 - 15:23

المحور الأول  : تشخيص عام

المحور الثاني : الجهود الوطنية لمحاربة الفساد

المحور الثالث : نحو مقاربة جديدة لمحاربة الفساد

 

مقدمة

تعتبر ظاهرة الفساد ظاهرة عالمية اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعادا واسعة تتداخل فيها عوامل عديدة يصعب التمييز بينها ، وهي ظاهرة طبيعية في المجتمعات الرأس مالية ، حيث تتفاوت بتفاوت وتطور المؤسسات ، وتصل مداها في العالم الثالث بحكم فساد مؤسسات الدولة وتدني مستويات الرفاه الاجتماعي ، والدولة الموريتانية علي غرار الكثير من الدول عانت منذ عقود من هذه الظاهرة، التي باتت السمة الأبرز المسيطرة  علي المشهد العام فطالت كل مقومات الحياة وأدت إلي إهدار الأموال والثروات ، والوقت  والطاقات وعرقلت أداء المؤسسات في إنجاز الوظائف والخدمات، فشكلت منظومة من التخريب والإفساد سببت مزيدا من التأخير في البناء والتقدم علي جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما أثر سلبا علي سلوك الأفراد وأداء الاقتصاد وإعادة صياغة القيم.

إن الحديث عن الفساد لم يعد من المحرمات بل أصبح من أبرز المحاور الرئيسية في برامج الأحزاب والمترشحين وحتى لدي الأنظمة والحكومات ، ولم يعد الأهم في تناول الظاهرة الحديث عنها و إنما مدي جدية الخطوات العملية المتبعة في محاربتها وخصوصا لدي القائمين علي الشأن العام ، هذه الورقة سنسلط من خلالها الضوء علي الفساد ومحاربته مشخصين للظاهرة ومقيمين   لما قيم به علي المستوي الرسمي من خطوات في اتجاه القضاء عليها، مقترحين مقاربة أولية لمحاربة الفساد نرجو أن تكون عند حسن ظن المهتمين و الرأي العام .

المحور الأول : تشخيص عام

إن تناول أي ظاهرة مركبة ومتعددة الأبعاد كظاهرة الفساد بشكل جدي وعملي يقتضي بالتأكيد تناولها بشيء من التشخيص العلمي والتمحيص الواقعي سبرا لأغوارها واستجلاء لمكامنها وخفاياها.

هذا التشخيص العام  سنتناوله من خلال الفقرات التالية :

تعريف الفساد :

    يعتبر تحديد مفهوم الفساد مسألة جوهرية في تحديد معالمه وحصر عناصره الموضوعية

 الفساد لغة: البطلان ويقال فسد الشيء أي بطل واضمحل ويأتي التعبير علي معان عدة بحسب موقعه ، فهو الجدب أو القحط كما في قوله تعالي (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) أو الطغيان والتجبر كما في قوله تعالي (الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) أو العصيان لطاعة الله كما في قوله تعالي ( إنما جزاء الذين  يحاربون الله ورسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) وتحرم هذه الآية الفساد بشكل كلي وتعلن خزي صاحبه في الدنيا والآخرة .

الفساد اصطلاحا:

تعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه ( استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة )

ويعرفه البنك الدولي بأنه ( إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص) ، فالفساد يحدث عادة عندما يقوم  موظف بقبول رشوة أو ابتزاز لتسهيل عقد أو إجراء مناقصة عامة كما يتم عند ما يعرض وكلاء أو وسطاء لشركات أعمال خاصة تقديم رشاوى للاستفادة  من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب علي منا فسين و تحقيق أرباح خارج إطار القانون المعمول به .

كما يمكن أن يحصل عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلي الرشوة وذلك بتعيين الأقارب و الأصهار علي أساس المحسوبية والمحاباة أو سرقة أموال الدولة مباشرة ومن هنا نستنتج أن هناك ثلاث آليات لإحداث الفساد :

- قبول الرشوة أو الابتزاز لتسهيل عقد أو إجراء مناقصة عامة

- استغلال الوظيفة العامة لتعيين الأقارب والأصهار ضمن منطق المحسوبية والمحاباة

- سرقة أموال الدولة مباشرة

ب- مظاهر الفساد:

إن تجذر ظاهرة الفساد وانتشارها في البلد قد أضفي عليها طابعا شموليا جعلها تطال مختلف جوانب الحياة العامة ومن أبرز مظاهر الفساد في موريتانيا ما يلي :

في المجال الإداري والمالي :

تعتبر مظاهر الفساد الإداري والمالي مجمل الانحرافات المالية والإدارية ومخالفة القواعد التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصة الصادرة عن أجهزة الرقابة وكل المخالفات الصادرة عن الموظف أثناء تأديته لواجبه ومنها

الرشوة – الاختلاس – استغلال النفوذ – المحسوبية – الشطط في استعمال السلطة وخيانة الأمانة -  التوظيف السلبي للسلطة التقديرية  - الاستغلال اللامشروط  للممتلكات العمومية – المعاملة التمييزية إزاء المرتفقين - التماطل والتقاعس واللامبالاة - الروتين والبيروقراطية – تخصيص الأراضي- إعادة تدوير المعونات الأجنبية للجيوب الخاصة – العمولات والإتاوات المحصلة بحكم المنصب – قروض المجاملة التي تمنح دون ضمانات – عدم الشفافية في منح الصفقات ومنحها علي أساس الصداقة أو القرابة أو المنافع الخاصة .

في المجال الاقتصادي والاجتماعي :

عاني الاقتصاد الموريتاني من الفساد مما تسبب في الاختلال الكبير في التوازنات الاقتصادية الكلية وعدم انعكاس الثروة الهائلة للبلد علي الوضعية المعيشية للسكان ، وهكذا تجلت المظاهر الاقتصادية والاجتماعية فيما يلي :

- نهب الثروات الطبيعية للبلاد عن طريق إبرام صفقات مجحفة مع الشركات والدول الأجنبية ( وودسايد ـــ اتفاقيات الصيد ).

- نهب الموارد المخصصة لدعم صناعة وصيد الأسماك والزراعة (القرض الزراعي – القرض البحري )

- التحايل علي قانون الاستثمار للاستفادة من التحفيزات الممنوحة لنظامي الامتياز ( نظام المقاولات ذات الأولوية – نظام اتفاقيات التأسيس  والإقامة – قانون 23 يناير 1989 ) .

- انتشار ظاهرة المخدرات وتبييض الأموال

- التهرب الضريبي خصوصا من طرف المؤسسات الكبيرة

- التهرب الجمركي وتمالؤ عمال القطاع مع المهربين

- نهب الأموال المخصصة للبني التحتية عن طريق التحايل علي تنفيذ مواصفات وبنود الصفقات

- استهلاك القيم الإيجابية في المجتمع واستبدالها بقيم فاسدة

- تغلغل ثقافة الفساد في المجتمع وانتشار الأمية والجهل والتخلف

- ضعف المناهج التربوية وانعدام ثقافة المواطنة

- الشعور بالغبن والتهميش وعدم قدرة الدولة علي التوزيع العادل للثروة

في المجال السياسي :

يعتبر المجال السياسي من أكثر المجالات احتضانا للفساد ، وهو أقوي المجالات تأثيرا في المشهد العام ، ومن أبرز مظاهر الفساد السياسي ما يلي :

- عدم احترام سيادة القانون والانتقائية في تطبيقه

- الفصل الصوري بين السلطات بحيث تتدخل السلطة التنفيذية في أعمال  وصلاحيات كل من السلطتين الأخريين

- انتهاك الحريات الفردية والعمومية

- غياب الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار

- تفشي ظاهرة الانتفاع بالأحزاب والمنظمات غير الحكومية

- الرشوة من أجل الحصول علي منصب حكومي أو انتخابي

- تفشي الفئوية والعشائرية

- تولي الأقارب والأصهار للمناصب بدل اختيار الأكفأ والأنزه

- تأثير وتحكم الحزب الحاكم علي المشهد السياسي والقرارات المصيرية

- شراء الذمم وتدخل الإدارة في عمليات الانتخاب

- استغلال الأموال العمومية لصالح جهة سياسية

               ج- أسباب الفساد:

هذه المظاهر مجتمعة تسببت فيها مجموعة من الأسباب بصفة مباشرة أو غير مباشرة نوجزها في ما يلي:

-عدم وجود نظام سياسي فعال

- غياب دولة  المؤسسات

- ضعف الممارسة الديمقراطية وحرية المشاركة والتداول السلمي علي السلطة

- عدم وضوح الآليات والنظم الإدارية

- التسيير خارج الميزانية

-عدم فاعلية وتنسيق أجهزة الرقابة

- غياب مرجعيات ومعايير الطلبيات الحكومية

- تراجع أخلاقيات المهنة

- غياب العقوبة والمكافأة

- اختلال العلاقة بين الإدارة والمواطن

- عجز النظام القضائي

- ضعف التكوين

- اختلال منظومة القيم وغياب الرقيب الذاتي والوازع الديني                                                                    

- غياب الفاعلية الاقتصادية

- الجهل – التخلف – البطالة

- ضعف النظام التربوي وعدم التشبث بمقتضيات المواطنة

- ضعف الأجور والمرتبات

د - آثار الفساد:

فضلا عن النتائج الأخلاقية للفساد فإن له نتائج سياسية واقتصادية في غاية الخطورة  منها:

- ضعف وانخفاض الأداء الحكومي ويستدل علي ضعف أو قوة الحكومة  ب :

*الغموض أو الشفافية في معاملاتها الاقتصادية

* مدي إتباع الإجراءات والنظم الموضوعية في التعيينات والوظائف 

* مدي حضور أو فعالية الرقابة علي سلطة الدولة

- سيادة أجواء عدم العدالة وإشاعة الظلم

- تقويض الشرعية السياسية للدولة

- اختلال عميق في علاقة الأفراد بالدولة

- إضعاف شأن القانون والنظام والرقابة والمتابعة

- ضعف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني

- تشويه صورة البلاد لدي المنظمات و الدول

- الشعور باللامساواة  وعدم تكافؤ الفرص

- فقدان الثقة في أهمية العمل وقيمته

- سيادة منطق التفريط في معايير أداء الواجب المهني والوظيفي

- تدني كفاءة الاستثمار العام وضعف مستوي الجودة في البنية التحتية

- نقص الإيرادات العامة وزيادة النفقات

- نقص النوعية في المرافق العامة وكفاءتها

- الفقر وعدم العدالة في توزيع الدخل

- إعاقة التطور والتحديث وسيادة الثقافة الفاسدة

 

المحور الثاني : الجهود الوطنية في مجال محاربة الفساد

لاشك أن محاربة ظاهرة متجذرة وعميقة كظاهرة  الفساد ، مسألة غاية في الصعوبة والخطورة ، غاية في الصعوبة لارتباطها بمختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فهي إذا متعددة الأبعاد عميقة التأثير و مستشرية في نفوس  كثير من الناس ، وخطيرة لأنها تمس حياة المتنفذين والمتمكنين من مفاصل الدولة الأمنية والاقتصادية وأصحاب المراكز السياسية  والاجتماعية فهي بطبيعة الحال تقتضي مزيدا من التوأدة  وكثير من الأناة ، تصطحبها السلطة السياسية العليا  وتستمر في ذلك بالقدر الذي يكفي للتغلب علي المقاومة .

إن محاربة هذه الظاهرة لن تكون ذات جدوائية كبيرة إلا إذا تم تداولها من عدة محاور تتعلق بوجود إرادة سياسية صارمة وفاعلة  ومقاربة مؤسسية  و استيراتيجية  علي قدر كبير من الشمولية والعمق   إن محاربة الفساد في موريتانيا ظلت عصية علي كل الأنظمة المتعاقبة وإن ادعي الكثير منها اتخاذ خطوات جادة في الاتجاه الصحيح   ، و يعتبر النظام الحالي من أكثر الأنظمة التي ركزت علي موضوع محاربة الفساد وتبني خطابا مناهضا له  قبل و بعد الانتخابات .

إن محاولة تقييم هذه الجهود يستدعي بطبيعة الحال استعراض الآليات والخطوات التي قيم بها في هذا الاتجاه .

أولا : علي المستوي التشريعي والمؤسسي

بذل المشرع الموريتاني جهودا معتبرة في مجال محاربة الفساد من خلال تجريمه لبعض الأفعال والممارسات المنحرفة والفاسدة في القانون  162 – 83 بتاريخ 9 يونيو 1983 المتضمن القانون الجنائي ، كما بذل جهودا كبيرة  من خلال خلق مؤسسات رقابية  تضطلع بدور الرقابة علي تسيير المال والممتلكات العمومية ، سواء علي المستوي السياسي أو الإداري أو القضائي .

1- علي المستوي التشريعي

* القانون الجنائي

حدد المشرع الموريتاني مجموعة من الأفعال التي تشكل جنايات أو جنح وعاقب عليها بعقوبات تتفاوت من حيث خطورة وجسامة الفعل المرتكب

- المنع من ممارسة   الحقوق الوطنية ( 106 – 110 ) وتشمل الحقوق الوطنية المنع من التصويت – تزوير بطاقات التصويت – بيع وشراء الأصوات ، يعاقب المشرع هذه الأفعال بالسجن من 6 أشهر إلي سنتين والحرمان  من أن يكون ناخبا أو منتخبا مدة خمس سنوات علي الأقل  وعشر سنوات علي الأكثر . ( 111- 119 )

-الاعتداء علي الحرية :

ويشمل العمل التحكمى – المساس بالحرية الشخصية للفرد

- تواطؤ الموظفين علي مخالفة القانون أو ضد تنفيذه ( 120 – 113)

- تعدي السلطات الإدارية والقضائية لحدودها ( 124 – 128 )

يعتبر مرتكبا للخيانة ويعاقب بالحرمان من الحقوق الوطنية من يمارس:

ــ التدخل في أعمال السلطة التشريعية

ـــ  تدخل السلطة القضائية في القضايا الخاصة بالسلطة الإدارية

الخيانة : (161 )

كل جناية أو جنحة يرتكبها موظف عمومي أثناء ممارسته لمهامه يعاقب بالحرمان من الحقوق الوطنية

-الاختلاس :  ( 168 ) ، يعاقب من 5سنوات إلي 10 سنوات بغرامة  من 5000- 10000

الغدر : ويعرف بأنه التحصيل الغير مستحق الأداء أو تجاوز ما هو مستحق من رسوم وضرائب وأموال وإيرادات وأجور ورواتب   يعاقب بالسجن من 2 سنة إلي 5سنوات .

- التدخل في الأعمال أو التجارة التي تتنافي مع صفاتهم : 169 – 177 : السجن من 6 أشهر إلي 2 سنة .- تجاوز السلطة : السجن مع ترك تقديره لسلطة القاضي .

- جنح الموردين  : 406- 434

ومنها  التأخير في التسليم – الإهمال – الغش في نوع الصفقة وكمية الأعمال أو اليد العاملة أو الأشياء المزود بها ، تعاقب بالسجن من 6 أشهر إلي خمس وبغرامة .

الرشوة : 171- 177 : تعاقب بالسجن من سنة إلي ثلاث سنوات وغرامة من 10000- 100000

*القانون رقم 2007- 054 الصادر بتاريخ 18سبتمبر 2007 التعلق با لشفافية المالية في الحياة العمومية ، وينص هذا القانون علي إلزام المسؤولين السامين بالتصريح بممتلكاتهم عند التعيين وعند مغادرة الوظيفة واستجابت حكومة الزين ولد زيدان لترتيبات هذا القانون في حين لم تستجب أي من الحكومات اللاحقة لترتيباته

*المرسوم رقم 207 -2007 يحدد سير وتنظيم لجنة الشفافية المالية في الحياة العمومية

- انتماء موريتانيا لمنظمة الشفافية العالمية

2- المؤسسات الرقابية:

 يعتبر تعدد الآليات الرقابية علي الأموال العمومية مسألة غاية في الأهمية ذلك أن مراقبة المال العام مهمة صعبة تقتضي تضافر جهود الكثير من المؤسسات, ولأجل هذا تم تكليف عدة مؤسسات وطنية بهذه المهمة.

- الرقابة الإدارية: (رقابة السلطة التنفيذية علي نفسها) وتشمل الرقابة الداخلية والرقابة الخارجية

* الرقابة الداخلية : وتختص بها المفتشيات الداخلية في كل قطاع حسب التسلسل الوظيفي فلا يخلو أي قطاع حكومي من  تراتبية إدارية تضمن نوعا من الرقابة والمتابعة فضلا عن وجود مفتشية داخلية في كل قطاع

*الرقابة الخارجية:

تم إنشاء المفتشية العامة للدولة بموجب المرسوم 2005- 122 بتاريخ 19-9  - 2005  وهي جهاز للرقابة  خاضعا لسلطة الوزير الأول ، تتحدد مهمة هذه الهيئة في الرقابة والتدقيق والتحقيق

بهدف:

 إشاعة الحكم الرشيد وتحسين أداء الإدارة العمومية

- تحسين الشؤون العامة ومحاربة الرشوة

- تقييم السياسات والبرامج العمومية

- مراجعة الحسابات من خلال بحث ومعاينة التجاوزات في مجال التسيير

- التدقيق في استخدام الأرصدة العمومية وطريقة إدارتها والوقوف علي حصيلتها .

ويحق لأعضاء المفتشية أثناء تأدية مهامهم القيام بما يلي :

-طلب أو ضمان تقديم كل الوثائق الضرورية

- تدقيق كشوف الحسابات المصرفية

- الاطلاع على كافة المعطيات المعلوماتية

وعند حدوث اختلاس كبير أو تحايل في المستندات يمكن لفريق التدقيق أن يقترح علي المفتش العام ما يلي :

- شل يد المحاسب العمومي أو مسئول الصندوق

- الإمساك بالمحاسبة ومستندات التبرير مقابل وصل

- إشعار الهيئات القضائية في حدود ما ينص عليه القانون لغرض المتابعة وكذا السلطات الإدارية للقيام بالإجراءات التأديبية.

 وبناء علي هذا يمكن أن نورد الملاحظات التالية:

- أن المفتشية العامة للدولة تابعة للوزير الأول وبالتالي فهي جزء من السلطة التنفيذية وكذلك هيئات الرقابة الإدارية الداخلية كل منها تابع للوزير المعني فهي جزء من السلطة التنفيذية ، وبصفة غير مباشرة هي تابعة لرئيس الجمهورية  وبالتالي خاضعة في إطار مهمتها وعملها للإرادة السياسية لرئيس الدولة

- أن نتائج عمل المفتشية في إطار استرجاع الأموال المختلسة لم نستطع الحصول عليه إلا خلال العام 2007 والنصف الأول من 2008 حيث بلغ :

*المبلغ الإجمالي المسدد للخزينة العامة = 2182586915 أوقية

* المبلغ الإجمالي للسداد = 994476655 أوقية

* المبلغ الإجمالي للنفقات الملغاة قبل التسديد 458440639 أوقية

* القيمة الكلية للتجهيزات المسترجعة 3241991 أوقية

* السيارات المسترجعة  155 سيارة

هذه المعلومات منشورة علي موقع المفتشية العامة للدولة الذي تم تحديثه  كآخر مرة  يوم 19- 01- 2009 بمقرر تعيين مفتشين مساعدين ، ومن 16- 07- 2008 لم يظهر علي موقع المفتشية أي عمل يتعلق بعملها الرقابي .

وهي حصيلة زهيدة بالمقارنة مع حجم وتأثير الفساد علي الدولة و المجتمع.

الرقابة القضائية : وتشمل رقابة محكمة الحسابات و رقابة القضاء العادي

محكمة الحسابات

أنشأ المشرع الموريتاني في القانون رقم 19-93 بتاريخ 23 يناير 1993 جهازا قضائيا يدعي محكمة الحسابات لفرض مزيد من الرقابة والمتابعة لتسيير الأموال العمومية .

تهدف هذه المحكمة إلي :

- حماية الأموال العمومية

- تحسين طرق التسيير

- عقلنة العمل الإداري

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تمارس نوعين من الرقابة:

أ- رقابة قضائية من خلال :

1 - معاقبة أخطاء التسيير: وهي المحددة بما يلي:

- النفقات بدون تخويل

- النفقات بدن تأشيرة المراقب المالي

- مخالفة القواعد المتعلقة بتنفيذ الإرادات والنفقات

- عدم تصريح الهيئة الخاضعة للرقابة للإرادات الجنائية

وهي مخولة بحكم القانون بمعاقبة هذه النوع من الأخطاء المرتكبة في الغالب من طرف الآمرين بالصرف وتتراوح العقوبة بين 5000 إلي ضعف المرتب أو الأجر السنوي المنوح للموظف موضوع العقوبة عند وقوع المخالفة.

2- النظر في الحسابات : يقتضي النظر في حسابات التسيير السنوية للمحاسبين العموميين الرئيسيين للدولة والمؤسسات العمومية والمجموعات المحلية إصدار المحكمة في نهاية تحرياتها حكما على كل حساب على حدة تتم بموجبه تبرئة ذمة المحاسب المعني أو تعميرها طبقا لمبدأ القاضي بمسؤولية  المحاسبين الرئيسيين الشخصية والمالية لقطاعاتهم ومؤسساتهم.

ب - رقابة غير قضائية :

وهي عبارة عن تقديم المقترحات الضرورية من أجل جودة الوسائل الكفيلة بتحسين أساليب التسيير من أجل الزيادة في فاعليته ومردود يته ,وجدير بالذكر في هذا المقام أن ننبه إلي أن المتابعة بسبب أخطاء التسيير لا تحول دون ممارسة الدعوي الجنائية والدعوي التأديبية في القانون العام وهو ما يعني أن لمفوض الحكومة في المحكمة عند اكتشاف  وقائع أثناء التحقيق من شأنها أن تشكل جناية أو جنحة أن يقوم بإحالة الملف إلي وزير العدل ليقوم بإحالة الملف للمدعي العام لدي لمحكمة العليا (42) كما لها إذا أرادت وهي تبت في المتابعة احتمال التعرض لعقوبة تأديبية أن تحيل المعني إلي السلطة المختصة .

وتنص المادة 47 : أن علي محكمة الحسابات أن تعد تقريرا حول مشروع قانون التسوية ويحال إلي البرلمان مصحوبا بتصريح عام عن مطابقة حسابات المحاسبين الفرديين للحساب العام الصادر عن إدارة المالية .

وتنص المادة 48 : علي أنه  علي المحكمة أن تسلم سنويا لرئيس الجمهورية تقريرا يحتوي علي محورين :

محور عام : يحتوي علي نتائج المتابعات والدروس المستخلصة والتوصيات المقترحة

محور خاص : يحتوي علي بعض المعلومات الخاصة

يحال جزء التقرير العام المتعلق بالرقابة علي تنفيذ قوانين  المالية إلي رئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ .

و بناء علي ما سبق يمكن أن نقدم الملاحظات التالية:

ـ إن محكمة الحسابات أعلى هيئة للرقابة المالية في البلد، منظمة بموجب القانون مما يضمن لأعضائها الاستقلالية وعدم إمكانية العزل.

ـ تتميز بمهنية التكوين الأساسي و المستمر في مجال التدقيق.

ـ تكفل للخاضعين للرقابة جميع حقوق الدفاع التقليدية.

ـ كل التقارير يتم نقاشها خلال اجتماع الهيئات المداولة و خاصة الغرف.

وتعاني من:

ـ إهمال استخدام التقارير التي تصدر عنها مما ينعكس سلبا على فاعلية الرقابة وتحمس العاملين

ـ غياب سياسة إعلامية مسؤولة وهادفة

ـ عدم التكوين المستمر لجميع العاملين في مجال الرقابة والتنسيق بين مختلف هيئات الرقابة

رقابة القضاء العادي

وتتلخص في إجراءات المحاكمات وتطبيق القانون علي المفسدين

رقابة أعوان القضاء:

ممثلة في مفوضية الجرائم الاقتصادية ، وهذه مجرد عون قضائي تعد التحقيقات  الابتدائية وتحيل الملف إلي النيابة العامة ، ومعروف أن المحاضر الابتدائية غير ملزمة لقاضي الحكم وإنما له أن يستأنس بها ، وهي بطبيعة الحال لا يمكن أن تتعهد إلا بناء علي تقديم شكوى  من جهة متضررة أو من النيابة العامة .

الرقابة السياسية:

وهي الممثلة في رقابة البرلمان الذي يصادق علي الميزانية العامة  من المفترض انه يراقبها ، هذه الرقابة ضعيفة بسبب عدم قدرة الكثير من البرلمانيين علي ممارستها من جهة ومن جهة أخرى بسبب تحكم الإرادة السياسية للسلطة العليا في الأغلبية وعدم قدرة هذه الأخيرة علي التمييز بين الموالاة والقيام بالواجب , و بسبب تداخل المهمة الرقابية مع التوجه السياسي الحدي أحيانا.

العامل التشريعي : يتمثل هذا العامل في إلزامية خضوع نتائج العمل الرقابي المقتضيات المادة 166 من الأمر القانوني وقم 162- 83 بتاريخ 9 يونيو 1983 ، حيث تنص المادة 11 من المرسوم 122- 2005 المنشئ للمفتشية العامة للدولة أن كل المخالفات بجب أن تعاقب طبقا لترتيبات المادة 166 المذكورة تنص المادة 42  فقرة 2 من قانون محكمة الحسابات علي نفس الترتيبات ، وهو ما يعني أن مرتكب الاختلاس المثبت بموجب التحقيق الرقابي يؤمر بتسديد المبالغ المختلسة وهنا يكون أمام حالتين :

**  مختلس سدد الأموال المسروقة يخلي سبيله ولا وجه  للمتابعة المادة 166 فقرة 2 "يعذر مرتكبو الجرائم المنصوص عليها أعلاه قبل البدء في أية متابعة من طرف عون الدولة المكلف بالتحقيق بإرجاع الأدوات أو إحضارها أو الأموال العمومية أو البضائع أو غير ذلك ".

**-  مختلس رفض تسديد الأموال المسروقة فهذا يشعر به القضاء من طرف المفتشية العامة للدولة مباشرة أو من طرف وزير العدل وأثناء المحاكمة,  وقبل صدور الحكم عليه يكون أمام احتمالين :

- مختلس سدد علي الأقل ثلث الأشياء المسروقة قبل الحكم فهذا يعتبر ظرفا مخففا.

- مختلس سدد أو أرجع ثلاثة أرباع القيمة المذكورة علي الأقل يستفيد من وقف التنفيذ .

الإرادة السياسية للسلطة العليا : عند ما تتوفر الإرادة السياسية الجادة والصادقة فإن العمل الرقابي ستنشط وتؤدي الهيئات  دورها كاملا وذلك للأسباب التالية :

أن المفتشية العامة تابعة للوزارة الأولي وملزمة بإعداد ثلاث تقارير عن كل مهمة أحدهما للوزير الأول والأخر لرئيس الجمهورية ، وهذا يعني تحكم السلطة العليا في عملها, ومحكمة الحسابات : عند ما تكون بصدد إحالة أي مختلس للقضاء ترسل الملف إلي وزير العدل لمباشرة القضية وهو جزء من السلطة التنفيذية إضافة إلي تحكمها في السلطة التشريعية.

** - الكفاءة العلمية والخبرة المهنية لدي مؤسسات الرقابة الإدارية والقضائية حيث من البداهة أن جسامة وتعقيد عمل هذه الهيئات يقتضي ضرورة توفرها علي عدد كبير من الكفاءات وهي الآن لا تتوفر إلا عدد محدود من هذه الخبرات مما أثر علي نتائج عملها .

إن وجود هذه الترسانة من القوانين وكل هذه المؤسسات لم ينعكس إيجابا خلال السنوات الماضية علي محاربة الفساد ولم يخفف منه أحري أن يقضي عليه ,نتيجة ضعف هذه الأجهزة وعدم القيام بالإصلاحات المؤسسية وغياب الإرادة السياسية.

 ثانيا: الاستراتيجية :           

لا توجد لحد الساعة استيراتيجية وطنية معتمدة من طرف السلطات الرسمية للقضاء علي ظاهرة الفساد في حين يوجد مشروع استراتيجية لمحاربة الرشوة.

انطلاقا من المعطيات السابقة وتأسيسا عليها يمكن أن نقول إن القضاء علي الفساد مازال بعيد المنال بل لم تنتهج حتى الآن الآليات الكفيلة بمحاربته والقضاء عليه ،فكل الخطوات المتواضعة المتخذة في هذا المجال تركز علي رافد واحد من روافد الفساد وهو اختلاس المال العام مع عدم اتخاذ أي خطوة في اتجاه محاربة الروافد الأخرى، إن عدم وجود مؤسسات قادرة علي محاربة الفساد وغياب استراتيجية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، يجعل الإرادة السياسية الموجودة محفوفة بالمخاطر ما لم تحتضن وتُرَشّد ذلك أنها محاطة بالعقبات ومستخدمة لأساليب ارتجالية ومعالجة سطحية أحيانا لمحاربة الفساد.

 هذه الاعتبارات جعلتنا نقدم مساهمتنا في المجهود الوطني لمحاربة الفساد من خلال المقاربة التالية:

 

المحور الثالث: نحو مقاربة جديدة لمحاربة الفساد والرشوة

إن أي مقاربة وطنية لمحاربة الفساد والرشوة يجب أن تضع إطارا يصهر الجهود المبذولة على المستوى الوطني، ولتمكين هذه المقاربة أو الإستراتيجية من المزيد من الفاعلية فإنه يتحتم تحديد العقبات أمام الحكم الرشيد كما أن تنفيذ هذه المقاربة ونجاحها مرهون بمدى مشاركة الجميع وذلك من خلال حملات تعبئة و تحسيس لكافة المواطنين ومشاركة فعالة من مختلف الشركاء لمواجهة ظاهرة الفساد. هذه الإستراتيجية يجب أن تواجه الفساد في أبعاده الوقائية والعقابية.

إن تنفيذ رؤية إستراتيجية في مجال محاربة الفساد سيمكن من تحقيق جملة من الأهداف:

تعزيز عام لنظام الحكم من خلال إصلاح عميق وشامل للإدارة وإعادة الاعتبار لوكلاء الدولة وذلك بالرفع من مكانتهم الاقتصادية والاجتماعية وترسيخ الثقة بالدولة وتحسين الخدمات العمومية الأساسية؛

التحسيس بخطورة الفساد من خلال حملات إعلامية؛

تنظيف وتعزيز قطاع العدالة من خلال إصلاح قانوني وإعادة تنظيم المؤسسات من أجل إعطاء مصداقية لمواجهة الرشوة.

 

المحاور الأساسية لمحاربة الفساد

إن محاربة الفساد تقتضي انتقاء جملة من الإجراءات ذا الأولوية وتركيز الجهود عليها. يتم هذا الانتقاء على أساس جملة من المعايير المحددة، وفي هذا الإطار فإن هذه الإجراءات يجب أن توجه لميادين ذات دلالة لدى الموظفين والفاعلين الاقتصاديين والمواطنين البسطاء والتركيز على قطاعات محدودة لكنها مركزية و تكون حقلا مهما للتجربة والتمرس في مكافحة الفساد.

1ـ تنمية الوازع القـيَمي والأخلاقي:

يتركز هذا المحور على استحضار قيم و أحكام الدين الإسلامي الناهية عن الفساد الداعية لعقابه و عقاب أهله , و المشددة النكير على الرشوة و الغلول و خسران الميزان, ثم على تنمية روح وثقافة المواطنة وتعبئة المواطنين وكسب تأييدهم .

في هذا المجال يجب القيام بالإجراءات التالية:

نشر الثقافة الاسلامية المؤصلة لمحاربة الفساد و مخاطره .

وضع برنامج ينعشه الأئمة و الدعاة على كافة التراب الوطني.  

ـ  تنظيم حملات تعبئة عامة بالاعتماد على وسائل الإعلام التي ينبغي أن تكون مفتوحة و تعددية , فالإعلام الأحادي لا يستطيع محاربة الفساد لأنه فساد.

ـ  وضع أقطاب نموذجية تتسم بالنزاهة من أجل تحسين النفاذ إلى الخدمات في القطاعات ذات الأولوية؛ و نشر نتائجها وتوصياتها من خلال وسائل الإعلام العمومية؛

ـ  تحسين سبل نفاذ المواطنين إلى العدالة في مواجهة القرارات الجائرة و العشوائية؛

ـ  تشجيع منظمات المجتمع المدني التي يمكن أن تضطلع بدور فعال في مواجهة حيف السلطة التنفيذية .

ـ التعبئة من أجل تأييد ومساندة المواطنين

إن المبادرات الأولى في مكافحة الفساد التي تهدف إلى جذب ومساندة المواطنين العاديين يجب أن تكون ذات بعد رمزي مهم مثل فرض التصريح بالممتلكات لفئة من الموظفين الكبار في الدولة.

 ولتعزيز هذا التأييد أيضا فإن مؤسسات الرقابة: محكمة الحسابات، والمفتشية العامة للدولة، والمفتشية العامة للمالية مطالبة بنشر تقارير مبسطة يفهمها المواطن البسيط وتمكنه من الاطلاع على الجهود المبذولة إضافة إلى تقاريرها الدورية .

2ـ الدولة والإدارة في مواجهة الفساد والرشوة

وفي هذا المحور سيتم التركيز على تناول مكامن الفساد في قطاع الوظيفة العمومية وقطاع المالية والإدارات الأخرى.

أـ الوظيفة العمومية

إن تنظيم النشاط الإداري يمكن تفعيله لمواجهة الفساد من خلال تحديد دقيق للأهداف والأدوار لكل وظيفة إدارية. ينضاف إلى ذلك تعزيز وترقية إجراءات العمل الإداري ويتم ذلك بالتركيز على التكوين في مجال التدقيق و مختلف وسائل الرقابة والنفاذ إلى الوثائق ونشر مبررات قرارات الصرف.

كما أنه على مستوى التنظيم الإداري فإن الموظف يجب أن يخضع لجملة من الإجراءات عند اكتتابه واستفادته من التكوين والتدريبات والتقييم  والحوافز إضافة إلى العقوبة في حال الإخلال البين بالعمل. كل هذا ضمن توجه يرمي إلى تحصين وكلاء الدولة من الفساد والرشوة وذلك عبر ضبط محكم لمسيرة موظفي الدولة تكون في الترقية على أساس الكفاءة والخبرة الفنية ونظافة اليد من خلال مطالعة مساره المهني.

ب ـ المالية العمومية

إن الإجراءات في مجال تسيير المالية العمومية يجب أن تتركز على إعداد حسابات واضحة، قابلة للفحص و التحقيق و تنظيم رقابة مالية فعالة. ولتحقيق هذه الأهداف فإن الحكومة ملزمة بوضع نظام محاسبي يناسب التطورات الاقتصادية الحديثة يتضمن قواعد لعمل الحسابات وطرق التسجيل بها. ينضاف إلى ذلك مصالح محاسبية ذات كفاءة عالية و متمرسة وتحترم أدبيات وأخلاقيات المهنة المحاسبية.

إعداد الحسابات الواضحة والقابلة للفحص  والتحقيق والتدقيق

في مجال المستندات والوثائق المحاسبية فإنه تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد وسيلة فعالة لمحاربة الفساد أكثر من الاحتفاظ بقاعدة معلومات مادية ذات مصداقية، ولهذا الغرض فان كل قطاع وزاري أو مؤسسة عمومية مستقلة ستكون ملزمة من طرف وزارة المالية من التحقق من درجة الحماية المادية للمستندات المبررة لأوجه الصرف و التي تناط بهم مسؤولية الحفاظ عليها، كما أن المصالح المختصة في وزارة المالية يجدر بها دراسة وسيلة معلوماتية تمكن من الحفاظ بشكل مركزي على البيانات المحاسبية.

وفيما يتعلق بمسؤولية الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين فإن الحكومة يجدر بها أن تُسند إلى مجموعة من القانونيين برئاسة رئيس المحكمة العليا مهمة تحديد المسؤولية الشخصية للوزراء عندما يتصرفون كآمرين بالصرف. وعلى هذا الأساس فإن القانون المطبق لمحاربة الفساد سيحدد العقوبات المرتبطة بتنفيذ هذه المسؤولية. أما الآمرين بالصرف المفوضين من طرف الوزراء فسيكون لهم مجال اختصاصهم و صلاحياتهم المحددة من طرف مقرر التفويض وذلك من أجل الحيلولة دون إمكانية التهرب من المسؤولية، أما إذا أثبتوا بأنهم نفذوا من خلال أمر مكتوب من طرف الآمر بالصرف الرئيسي فإن المسؤولية ترجع على هذا الأخير.

تنظيم رقابة مالية فعالة

إن الإجراءات التي يلزم اتخاذها تتمركز حول النقاط التالية:

ـ تركيز الرقابة على البحث عن النفقات المختلَـقة والتي تترجم محاسبيا من خلال الفواتير الباهظة و تزييف الفاتورات المختلَقة؛

ـ تعزيز الرقابة الداخلية لكل إدارة ومؤسسة عمومية ؛

ـ الاعتماد على أعمال المفتشية العامة للمالية العمومية؛

ـ  تسيير  أولويات المفتشية العامة للدولة؛

ـ إعطاء الأولوية لمحكمة الحسابات؛

ـ إعادة تحديد مساهمات مختلف هيئات الرقابة و ذلك من خلال التعاون الوثيق ما بين رؤساء المفتشيات العامة ورئيس محكمة الحسابات؛

ـ ضمان المتابعة القضائية للمتهمين من طرف هيئات الرقابة المالية.

جـ ـ الإدارات الأخرى

                أما بالنسبة للإدارات الأخرى فإن الإدارة المكلفة بالأشغال العمومية تعتبر أحد مكامن الفساد والرشوة ولذا  ينبغي التركيز على المبالغ المدمجة والتي كانت خارج الميزانية العادية وعلى تحسين الرقابة والإجراءات المطبقة على كل ما هو خارج الميزانية، أما باقي الإدارات الأخرى التي تتلقى من الدولة أو التجمعات العمومية إعانات معتبرة فإن الرقابة المالية الكلية التي تطبق على الإدارات ينبغي أن يتوسع مجالها لتشمله.

3ـ  الفساد في الصناعات الاستخراجية

في هذا المجال فإن الإجراءات ينبغي أن تخص:

 ـ تعزيز الطاقات وذلك باستغلال امثل للتمويلات المقدمة من طرف البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية حتى نتمكن من تسيير شفاف وتكوين متقن للأطر الفنية التي تناط بها مسؤولية ملف الصناعات الاستخراجية؛

ـ تحسين إدارة هذه الصناعات في جو من الشفافية وذلك من خلال توضيح المهام ومهنية الإدارة ونشر للحسابات ووضع بنية تنظيمية قادرة على تسيير حسن للموارد البترولية؛

ـ مراجعة الإطار المؤسسي والقانوني والتنظيمي والتعاقدي  فيما يخص الشركة الوطنية للمحروقات؛

ـ توضيح سياسة واختيارات تسيير الموارد.

4 ـ إقامة دولة القانون والعدل

إن الأهداف الأساسية المتوخاة من هذا المحور تهدف إلى ضمان مصداقية للمقاربة الوطنية لمحاربة الفساد وجعل النصوص التشريعية والتنظيمية لمحاربته منسجمة وواقعية وقابلة للتطبيق.

إن إصلاح القضاء يفرض القيام بجملة من الإجراءات تتعلق بالنيابة العامة وبالطرف المدني وبالمستندات الإدارية والمحاسبية وبالتعسف في إجراءات الاستعجال وبفساد القضاة وبتكوين القضاة و كتاب الضبط وبظروف العمل لهؤلاء و بالمفتشية العامة للقضاء وبالمسؤولية الجزائية للقضاة وبأخلاقية مهن المحاماة والخبرة.

وفي هذا الإطار فإن أي مقاربة لمحاربة للفساد تقتضي التركيز على معالجة هذه الاختلالات من خلال:

ـ إقامة نظام قضائي فعال، منضبط، مبادر وقادر على الاضطلاع، إلى وظائفه التقليدية، ويستجيب للتحديات الجديدة المتعلقة بمكافحة الفساد و الإرهاب والجريمة المنظمة خاصة منها العابرة للحدود؛

ـ توفير الشروط الضرورية لنجاعة القضاء من خلال تكريس استقلاليته ودعم وسائله البشرية والمادية والمؤسسية وتسريع إجراءاته، باعتبار ذلك يمثل شرطا لا غنى عنه؛

ـ ترقية موارده البشرية لخلق جيل جديد من القضاة الذين يتسمون بالكفاءة والنزاهة والعدالة وذلك من خلال الشروع في برنامج موسع لترقية  تكوين القضاة مع التركيز على كسب المعارف وآداب المهنة مع إعطاء الأولوية لمجالي المحاسبة والمالية العمومية؛

حــــــــــــول ما يجري الآن :

     إن ما يجري من خطوات منذ شكلت الحكومة الأخيرة يتطلب منا في حزب تواصل و بناء على سابق المهاد النظري أن نحدد موقفنا في هذه اللحظة من تاريخ بلدنا .

إن موقفنا المبدئي الرافض للفساد و الداعي لمحاربته و المعتبر أن القطيعة مع الفساد شرط في كل إصلاح أو تنمية  قائم و مؤكد ,و تأسيسا عليه نشجع الخطوات التي قيم بها في هذا السياق سواء منها المتعلقة بإقالات إدارية مبررة أو توجيه أموال عمومية لخدمات عامة أو التخفيف من نفقات التسيير التي كانت مرتعا للفوترة و التحايل و غيرها مما يصنف في هذا الباب و لكننا مع ذلك نعتبر أنه صاحب هذه الخطوات  ما نغص عليها و أفقدها بعض المصداقية و لعل من أهمه , قابلية التفسير بالانتقائية , و الارتجالية و غياب التعامل الشفاف الذي يجعل المواطن على وعي و فهم لما يجري  .

إن حربا ناجحة على الفساد تقتضي جملة من الأمور هي بدونها عرضة للارتباك و حتى للفشل و في حالنا منها ماهو متوفر ومنها ما هو غير متوفر و من أهم هذه الأمور :

وجود إرادة والتزام سياسي فاعلين وصادقين لمحاربة الفساد دونهما لا يمكن لأي مقاربة أن تكون ذات مصداقية ولا أن يكتب لها كثير من النجاح و الاستمرارية و يكمل الإرادة و الالتزام المذكورين تحويلهما إلى عمل مؤسسي منظم و مرتب .

جعل الديمقراطية خيارا لا رجعة فيه و تعزيز التعددية و الحريات , فلا محاربة جدية و مؤسسية للفساد  دون الديمقراطية و الحرية .

 إصلاح عميق و شامل للإدارة، ومثل هذا الإجراء مرتبط بالحكومة ويعكس مدى التزامها وجديتها في محاربة الفساد.

 ثنائية الوقاية والردع إذ أن الإجراءات الاحتياطية غالبا ما تكون فعالة إلا أن فاعليتها مرتبطة بالأساس بمصداقية الردع.

مشاركة المواطنين و الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في مواجهة الفساد ومحاربته، ولن يتم ذلك إلا من خلال انفتاح السلطات العمومية ومباركتها للعبهم دورا فعالا لأن القضاء على الفساد مسؤولية الجميع ولا بد من تشكيل رأي عام وطني مناهض للفساد.

 الواقعية والتي تقتضي الاعتراف بأن الفساد ظاهرة منتشرة للأسف مما يعني إمكانية مواجهة معارضة قوية. وبالتالي فإن أي إجراء لمكافحة الفساد ينبغي أن يتخذ منهجا واقعيا و متوازنا.

مواجهة تدريجية للفساد وذلك من خلال تحديد إجراءات ذات أولوية وتنفيذها بالوسائل المتاحة. إذ أن الحرب على الفساد معركة تحتاج لصبر جميل ونفس طويل.

استبعاد رموز الفساد المشار إليهم من قبل المجتمع لإضفاء الصدقية على الإجراءات المتخذة وضمان مشاركة الجميع في المعركة .

توفير الأجواء القانونية المناسبة و الشفافة وضمان سلامة وعدالة أعمال الرقابة والتحقيق والمقاضاة و التطبيق الصارم والعادل للقانون المعمول به والابتعاد عن كل ما يمكن اعتباره تصفية للحسابات أو استهدافا لأفراد ومجموعات دون أخرى.

فتح وسائل الإعلام و جعلها في وضعية ديمقراطية تعددية تضفي على مساهمتها في الحرب على الفساد المصداقية المطلوبة.

و في الختام

إن الوضعية التي تمر بها البلاد و التطورات التي تشهدها وحرصنا على أن تتجاوز المرحلة الحالية على نحو يخدم أهداف محاربة الفساد و تحقيق الإصلاح و تعزيز الديمقراطية و الحريات العامة يفرض علينا أن نوجه نداء وطنيا صادقا، إلى السيد رئيس الجمهورية و الحكومة و الأطراف السياسية و الفاعلين الوطنيين الأساسيين ... أننا اليوم بحاجة لجو من التناغم و الحوار و التفاهم لنعبر بوطننا إلى شاطئ الأمان مركزين على إصلاح حاضرنا و وتأمين مستقبلنا، و أن نعالج ملفات الماضي بشكل حكيم و بقدر ما يخدم حاضرنا و مستقبلنا , و في هذا الإطار ندعو إلى معالجة ملف رجال الأعمال على نحو هادئ و عادل و غير انتقائي يقوم على الحلول التوافقية، نحو لا يذكي الصراعات الاجتماعية  و لا يضر بالسمعة الاقتصادية للبلد .

 

                                                                                                    المكتب السياسي

                                                                                                                انواكشوط  21 / ذي الحجة / 1430 هـ

                                                                                                      08 / ديسمبر / 2009 م