بسم الله الرحمن الرحيمٍ
استحوذت مسألة اللغات الوطنية هذه الأيام على اهتمام العديد من رواد شبكات التواصل الاجتماعي في البلد، ولا غرابة في ذلك عندي، لأن اللغة مكون أساسي من مكونات الفرد والمجتمع، لذا فهي تستحق كل ما يبذل فيها، ورأيت أن من حقي، بل قد يكون من واجبي أن أسهم برأيي فيما يطرح من آراء، فعسى وعسى أن يكون في ذلك خير، فمن يدري؟
فأقول وبالله التوفيق:
إن اللغات الوطنية تتكلم بها قوميات مسلمة في دول عديدة ويقرؤون بها دينهم ويكتبون بها تراثهم الذي هو جزء ثمين من تراثنا الإسلامي، فهي بذلك لغات إسلامية يتكلم بها جزء كبير من مجتمعنا.
لكن العالم الإسلامي لا يقبل ولا ينبغي أن يقبل أن تكون فيه لغة وسيطة بين جميع أفراده المتباعدة أقطارهم المختلفة لغاتهم غير لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مهما تكن الدواعي والظروف والإكراهات…، أقول هذا في حق التواصل العام بين عموم المسلمين، أما داخل كل قطر فله كلام غير هذا.
ويتأكد هذا الرفض إذا كانت تلك اللغة الوسيطة لغة عدو متربص يحاربنا ويسيء إلينا بالطعن في مقدساتنا.
وهنا أضع السؤال التالي وهو:
على من تقع مسؤولية تعليم اللغة العربية (لغة القرآن الكريمة والسنة المطهرة)؟
الجواب أنها تقع أولا على حكومات الدول الإسلامية والعلماء والأئمة والدعاة ونخب المجتمع، ثم على الناطقين في الأصل بهذه اللغة، لكنهم ليسوا في ذلك وحدهم، إذ يشترك في المسؤولية معهم كل مسلم، ولكن بدرجة أقل.
ومن ناحية أخرى فإني ألفت نظر من يريد الإصلاح في هذا المجال إلى أن أي شخص عادٍ من الناطقين بالعربية لا يقبل أو لا يرتاح – على الأقل – أن توضع بينه حواجز لغوية مع الشعوب العربية الأخرى، هذه حقيقة ينبغي أن ننتبه لها عندما نفكر أو نهتم بموضوع اللغات الوطنية، لأن المتكلمين بهذه اللغات لديهم خارج وطنهم الأم – شأنهم في ذلك شأن الناطقين بالعربية – امتدادات وأواصر وصداقات ومصالح… لا ينبغي التقليل من شأنها فضلا عن المساس بها أو تجاهلها، وعليه فإن أي عناية باللغة العربية أو بهذه اللغات ينبغي أن تنطلق من هذه الحقيقة حتى لا نحرج أخوتنا ونجرح مشاعرهم ونُقَطِّع أرحامهم ونعيق مصالحهم التي هي جزء من مصالحنا.
انطلاقا مما سبق في الحلقة الأولى فإني أرى أن تقوم السلطات أو يتطوع بعض الأفراد أو الجهات… بإرسال مجموعة – مستقيمة تجسد الإسلام عمليا – من الناطقين بالعربية إلى قرى وكصور إخوتنا الناطقين بغير العربية لتعلمهم لسان القرآن الكريم…، وتتعلم لغتهم وتستفيد من جميل عاداتهم وأخلاقهم ونمط حياتهم وسبل عيشهم، وتزيل الحواجز الناتجة عن ضعف التواصل الناجم عن عدم اعتماد لغة معينة للتخاطب، وتستطلع آراءهم في موضوع اللغات وغيرها من الأمور العامة التي تهم الجميع، وتحاورهم في ذلك حتى تتحد الرؤى وتتقارب وجهات النظر، وفي نفس الوقت أو في وقت آخر تنبعث من القوميات الوطنية الأخرى مجموعات إلى أماكن تجمع الناطقين بالعربية الراغبين في الموضوع – أقول الراغبين في الموضوع لتعقيد البيظان – ليقوموا بنفس العمل ويستفيدوا مما استفاد منه إخوتهم السابقين.
ثم يُنظم ملتقى تُناقش فيه النتائج وتُدون فيه التجربة وتُمحص وتطور ويستفاد منها ويبنى عليها مستقبلا، ثم تُكرر وتكرر وتُوسع، ويُسعى إلى أن تتبناها الهيئات والسلطات الرسمية.
إن تعليم لغة القرآن الكريم، والسعي في ذلك وإعانة الناطقين بغير العربية على تعلُّمها بشتى الوسائل أمر ضروري ولازم لإقناعهم بضرورة تعلمها، وكذا استخدام شتى الأساليب المقنعة والمغرية، والاستمرار في ذلك حتى يتبين للجميع أن تعَلمها وتعليمها عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، وأن معرفتها ضرورية لفهم كتاب الله وسنة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وللتفاهم مع إخوتهم في الدين والوطن، كما أنها ضرورية للتواصل مع المسلمين في العالم كله؛ وخصوصا مع العالم العربي. وفي نفس الوقت تتم الدعوة ويُبذل الجهد لتطوير اللغات الوطنية والارتقاء بها حتى يستطيع الناطقون بها التواصل بها على أعلى المستويات العلمية والأدبية مع إخوتهم في الدول الاخرى..، ولا غضاضة في أن تكون مكتوبة بحرف القرآن الكريم كما كان المسلمون من قبل يكتبون به لغاتهم في إفريقيا وآسيا…، بل أرى أن ذلك أمرا مطلوبا وضروريا لأسباب عديدة، وخصوصا في هذه الظرفية التي يسيء فيها النظام الفرنسي لنا ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قصة النعامة
يحكى أن النعامة إذا داهمها خطر دست رأسها في التراب معتقدة أن العدو لم يعد يراها لأنها لم تعد تراه.
كل دولة يتكلم مواطنوها لغات متعددة، ولم تكن اللغة المعمول بها فيها رسميا هي لغة التخاطب بينهم، ولم تكن فيها لغة موحدة تتكلمها العامة كالولوفية في السنغال والبمبارية في جمهورية مالي مثلا، ولم يتفقوا على إحدى لغاتهم الوطنية لتكون لغة التفاهم بينهم… تصدق عليها حكاية النعامة.
إخوتي الأفاضل إلى متى ندس رؤوسنا في التراب ونتشبه بالنعامة متجاهلين حاجتنا لاعتماد لغة وطنية نتواصل من خلالها…
هذه الحاجة لم تكن وليدة اليوم بل كانت موجودة منذ قيام الدولة الموريتانية الحديثة، واليوم تطرح نفسها بإلحاح، في الوقت الذي ما زلنا فيه نعض بنواجذنا على هذه اللغة الغازية الدخيلة (الفرنسية) ونجعلها وسيلة نتفاهم من خلالها رغم إساءة أهلها علينا وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والطعن في مقدساتنا.
فإلى متى نقبل هذا العار ونرضى به، إنه لمن العجز المخزي والمميت استعمالنا لهذه اللغة للتفاهم بيننا بعد أن كان ما كان من ساسة وأعلام… أهلها من عداوات مزمنة وحقد دفين وكراهية مقيتة لنا ولديننا ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحروب وتقتيل وتشريد ونهب لخيراتنا، ومصادرة لحرياتنا…!!
ليت شعري ما الذي يشدنا لهذه اللغة التي أصبحت في ذيل اللغات العالمية -حسب ما تؤكده الدراسات والبحوث – وذلك ما يدركه القادم على فرنسا وبسهولة حين ينزل في مطاراتها أو يدخل فنادقها، أما الجانب العلمي فقد تم تخطيها فيه منذ فترة طويلة.
من هنا فإنه يتحتم على مواطني الجمهورية الإسلامية الموريتانية ومن شابه وضعه وضعهم من الدول الإسلامية أن يتفقوا بسرعة على استبدال الفرنسية بإحدى لغاتهم الوطنية؛ ولتكن اللغة العربية لكونها لسان القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وبذلك تعتبر لغة وطنية في جميع بلاد المسلمين، وتنتفي كل الحساسيات التي قد يزرعها ويروج لها أعداء الإسلام، هذا مع أن تعلمها وتعليمها عبادة، ولأنها لغة متقدمة على أغلب اللغات العالمية، ويفهمها أغلب المواطنين، فلنسع جهدنا لتعلمها وتعليمها.
وأقترح في هذا السياق على كل وزارة وكل مؤسسة عمومية وخصوصية أن تخصص ساعة من وقتها الرسمي لتعليم اللغة العربية على مدى أربعة أيام أسبوعيا، وأن تساعد وزارة التعليم الوزارات والمؤسسات بمدرسين
أما الأشخاص الذين لا يعملون في مؤسسات فتتكتل منهم مجموعة وتستكتب مدرسا أو تفتح لهم الوزارة قسما يدرسون فيه.