استهلال:
شاعت في المجتمع الموريتاني ومنذ القدم ـ رغم ما تحلى به من تدين وتعلق بتعاليم الإسلام ـ ممارسة الاسترقاق بمختلف صوره وشتى أصنافه، ساعده في ذلك تركيبته الفئوية وتنوع أعراقه بالإضافة إلى دوافع أخرى مختلفة ليس أقلها العامل الاقتصادي، وبالرغم من خفة حدة تلك الممارسات مع ميلاد الدولة الوطنية والانخراط في حياة مدنية جديدة قوامها المواطنة على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، فإن الظاهرة بقيت مستمرة في مختلف مكونات المجتمع كسلوك وكممارسة عند البعض وإن طغت عليها في مرحلة لاحقة الجوانب المتعلقة بالآثار و المخلفات، وهو ما يعود في جانب كبير منه إلى ضعف الدولة وهشاشة "العقد الاجتماعي الجديد" حيث يطغى الولاء للقبيلة والجهة و الأرومة على الولاء للوطن الأم لدى الأفراد في أحيان كثيرة في ظل غياب إرادة حقيقية لحل المشكل لدى الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم البلاد إذا ما استثنينا التعميم رقم 8 بتاريخ 05/12/1969 الذي أصدره وزير العدل الأسبق المعلوم ولد برهام في فترة حكم المرحوم المختار ولد داداه القاضي بضرورة محاربة الممارسات الاسترقاقية، والأمر القانوني رقم (234-81) بتاريخ 9 نوفمبر1981 الصادر في عهد الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيداله القاضي بإلغاء الرق رغم أنه لم يصدر مرسوم مطبق له مما جعل تأثيره محدودا في إنهاء ظاهرة الرق، وكذلك القانون رقم (048-2007) الذي صدر في عهد الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله والمتعلق بتجريم الممارسات الاسترقاقية، وبطبيعة الحال فإن هذه الخطوات لم تكن كافية في هذا الصدد.
كما تفاوت اهتمام النخب المحلية بالمشكل وحضوره الدائم في أجنداتها السياسية بين التجاهل والإهمال لدى البعض إلى التبني أو التوظيف السياسي لدى البعض الآخر، ومن بين القوى التي حاولت مقاربة المشكل بحلول ورؤى (الحركة الوطنية الديمقراطية، الحر، البعثيون ..).
أما التيار الإسلامي فإنه رغم تفاعله مع القضية وإيلاءها مساحة من الاهتمام في خطابه السياسي ونشاطه الدعوي وعمله المجتمعي والخيري إلا أنه لم يبلور رؤية ناجزة بخصوصها إذا ما استثنينا المقاربة التي قدمها الشيخ محمد فاضل ولد محمد الأمين الذي دعا إلى تجاوز هذه الممارسة استنادا إلى نصوص الشرع ومقاصده وانطلاقا من مقتضيات الواقع وموازناته، و الجهود العملية التي بذلها الداعية الأستاذ محمد ولد سيد يحي في تبسيط الخطاب الدعوي وتقريبه من هذه الشريحة و محاولة ردم الهوة بينها وبين باقي الشرائح الاجتماعية الأخرى.
وسعيا إلى رفع الحيف والغبن السياسي و الاجتماعي الذي طال هذا المكون الهام من مكونات شعبنا وعمل على تجذير "مشكل الرق" ومفاقمته اجتماعيا وتوظيفه سياسيا من قبل بعض الأطراف داخليا وخارجيا، وحفظا للسلم الأهلي والاستقرار السياسي للبلد وحرصاً على تسليط الضوء على الأبعاد المختلفة لهذا المشكل بعيداً عن النظرات الضيقة والأحكام المسبقة بما يضمن التعرف بشكل أعمق على معاناة هذه الشريحة الهامة ومعانقة همومها وتطلعاتها المشروعة نحو مجتمع أفضل يستظل بمثل الإسلام في العدالة والحرية والمساواة والأخوة، بادر التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) إلى تنظيم ملتقى حول " الرق ومخلفاته في موريتانيا" ناهزت لائحة مدعويه 150 مدعوا من قيادات وكوادر الحزب من اهتمامات واختصاصات مختلفة (فقهاء، حقوقيين، اقتصاديين، أساتذة جامعات، طلبة، شخصيات من المجتمع المدني)، وقد سارت فعاليات الملتقى في أجواء عامة طبعها الانسجام والنقاش المثمر والجاد واستعرضت أوراق بحثية هامة قدمت من قبل مختصين لتأطير النقاشات التي تناولت قضايا:
موقف الإسلام من الرق ؛
أصول الاسترقاق في موريتانيا وموقف الإسلام منها؛
واقع الرق و مخلفاته في المجموعتين العربية و الزنجية؛
التعاطي السياسي مع الظاهرة ؛
أسس ومرتكزات هادية على طريق المعالجة.
وعلى ضوء ما جرى من بحث ونقاشات معمقة خلال الملتقى وفق المهاد السابق تمت بلورة الرؤية الآتية التي اعتمدتها الجهات الحزبية المختصة.
أولاً: موقف الإسلام من الرق:
جاء الإسلام والاسترقاق شائع في العالم معترف به عند جميع الأمم ومباح في كل القوانين الأرضية والأديان السماوية، حتى بلغ من أمره أن صار عماد الحياة الاقتصادية وقوام الحياة الاجتماعية القائمة يومئذ على التمايز الطبقي والعنصري.
وبرغم أن الإسلام قد أقر منه ما أقر، إلا انه لم يأمر به ولم يندب إليه ولم يرغب فيه ولم يترك له من أبوابه الكثيرة عند الأمم الأخرى ــ كالأسر والفقر وعجز المدين والخطف وسواد البشرة لدى بعضها ــ إلا الأسر، ومع كون الاسترقاق عن طريق الأسر عبر الجهاد المشروع بشروطه المعروفة من أحكام الدين المعلومة، فإن نص القرآن الكريم على المن أولا ثم الفداء ثانيا للفتةٌ بليغة وإشارة دقيقة إلى أن ذلك هو الأولى وهو الأفضل.
لقد كان تشوف الإسلام للحرية وتنسمه للإنعتاق والكرامة الإنسانية بارزاً إذ اعتبرها في أعمق معانيها مرادفة للحياة، "ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة". النساء 92، .. "فالذي يخرج نفسا مؤمنة بالخطأ من جملة الأحياء يلزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار لأن اطلاقها من قيد الرق كإحيائها.
لذا لم يتوان في تصدر معركة التحرير في العالم، وهو الهدف الذي نجح في تحقيقه على أكمل وجه ودون ردات فعل تذكر ومن غير أن يعرض الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهزات عنيفة قد تعود بنتائج عكسية.
منطلقا في آن عبر مسارات ثلاث:
الأول: المعاملة للتكيف (أو التهيئة النفسية والاجتماعية للتربية): عبر انتهاج تربية اسلامية تعتمد تصحيح منطلق التفاضل وحسن المعاملة، والمحافظة على المشاعر، والسمو بأساليب الخطاب وهي تربية يحتاجها المسترقون حتى يدركوا أن ما يجمعهم مع المسترَقين من أُخوة في الإيمان، وفي الخَلْق لا يقاس بحال من الأحوال بما يتفاوتون فيه من حرية التصرف والتملك: "لا يقولن أحدكم عبدي أو أمتي، كلكم عبيد لله وكل نسائكم إماء الله"صحيح مسلم.
الثاني: التجفيف للإنهاء: حيث عمل الإسلام على محاصرة منابع الرق وسد جميع منافذه إلا ما كان من طريق الجهاد المشروع، فلم يُبِحْ للمرء أن يبيع نفسه أو أولاده أحرى غيره لأن الحرية في نظر الإسلام حق أصيل لا يسقط إلا بتشريع منه كما لم يجز الاسترقاق بسبب الجريمة أو الخطف، وبين أن استعباد الأحرار يرد على المسلم صلاته ويقطعه عن ربه: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، و رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه و لم يعطه أجره، و رجل باع حرا فأكل ثمنه". صحيح البخاري.
الثالث: فتح أبواب الحرية و حصر منافذ الاسترقاق: فقد فتح ما لا يكاد يُعد من الأبواب لتحقيق الحرية ولينعم بها المجتمع الإسلامي، ورغبت نصوصه بشتى الأساليب في تحرير الرقاب، قال تعالى: " فلا اقتحمَ العَقَبَة، وما أدراك ما العقبة، فكُّ رقبة". البلد 13،12،11؛ كما أوجبت المكاتبة إذا طلبها المملوك وعلم فيه الخير: "والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً". النور 33، و به قضى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و هو اختيار الكثير من أهل العلم .
و من السنة أخرج الإمام مسلم من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "من لطم مملوكاً أو ضربه فكفارته أن يعتقه".
و كان من عامة وصيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين حضرته الوفاة كما أخرج أحمد والبخاري ومسلم من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ: "الصلاة وما ملكَت أيمانُكم". حتى جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغرغر بها صدره و ما يكاد يفيض بها لسانه.
و لو سارت الأمة على هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ و صحابته الكرام ـ رضي الله عنهم ـ لتحرر الأرقاء جميعا؛ فالصحابة لم يشتروا الأرقاء ليستعبدوهم وإنما ليفكوهم من آصار الرق وأغلاله.
ثانياً: أصول الاسترقاق في موريتانيا وموقف الإسلام منها:
لعله من الصعوبة بمكان الجزم تاريخيا بحقيقة أصول الاسترقاق الحالي فقد اكتنف هذه المسألة من الإلتباس والغموض ما اكتنف التاريخ السياسي والاجتماعي لموريتانيا الوسيطة، حيث تداخلت فيه أبعاد مختلفة تداخلا بينا يتعذر معه الفرز الدقيق وفق محدد "المشروع والممنوع".
ومع تأكيد بعض الباحثين على أن حروبا جهادية قد عرفتها المنطقة من قبيل تلك التي قادها مجاهدون ومصلحون كأبي بكر بن عامر والحاج عمر الفوتي وساموري تورى، وكانت بحسبهم مصدرا من مصادر الرقيق الشرعي بالمنطقة فإن الرأي الغالب لدي مؤرخي الصحراء يرجح أن الغصب والخطف والنخاسة هي المصدر الرئيسي للموجود من الرق بالمنطقة، وحيث تثبت هذه الحقيقة فلا عذر بعد ذلك في السكوت عليه، والتغاضي عنه لما للإسلام من حرص مؤكد على حرية الأرقاء ناهيك عن سلامة الأحرار والشدة والوعيد الوارد في تملكهم وبيعهم حيث جعل العلماء الاحتياط والحماية للحرية في درجة استثنائية لا يدانيها إلا الاحتياط والحماية في مجال الفروج والذكاة.
وإذا كانت تلك هي وضعية الأصول وما اعتورها من شوائب قادحة فإن واقع الممارسة كان صادما هو الآخر لمخالفته في الأغلب الأعم لهدي الإسلام وتعاليمه في مجال إحسان المعاملة وإحكام القوامة،فساد الاهمال التام في جوانب التعليم والتربية والتوجيه وتفشي سوء المعاملة وخاصة ما يتعلق بالضرب المبرح ولأتفه الأسباب وبالتكليف فوق الوسع ودون إعانة غالباَ، وكل هذا مخالف لنصوص الشرع و قواعده؛ فقي صحيح مسلم عن مقرن المزني قال: "لقد رأيتُني سابع سبعةٍ ليس لنا إلا خادم واحد، فلطمها أحدنا فأمرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإعتاقها فأعتقناها".
ولا يمنع كل ذلك من الإشادة ـ إنصافاً في هذا المقام ـ لبعض البيوتات الموريتانية هنا أو هناك من مختلف الشرائح ممن احتفت بهم وعملت على تحريرهم لتشوف الشارع لذلك.
ثالثاً: واقع الرق و مخلفاته:
لا يزال الاسترقاق قائما كممارسة على نحو محدود في بعض مناطق البلاد كما تؤكد ذلك تقارير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (تقرير حالة حقوق الإنسان 2009 في موريتانيا)، وشهادات ضحايا الظاهرة الذين يُستغل جهلهم وفقرهم المدقع من أجل إخضاعهم وإرغامهم على القبول بالأمر الواقع والتسليم لقدر استرقاقهم في ظل ضعف الحماية القانونية و نفي و تشكيك السواد الأعظم من الطبقات الأخرى.
و لعل الجوانب الأكثر بروزاً في هذا النطاق هي تلك المتعلقة بالمظاهر والمخلفات في الواقع المعيش والتي تبدو في بعض الأحيان أكبر حجماً و أخطر تأثيرا من ممارسة الاسترقاق نفسه، ويظهر ذلك جليا على المستويات الآتية تمثيلاً لا حصرا:
1. المستوى الاجتماعي ـ الاقتصادي:
لم يقتصر التأثير السلبي لظاهرة الاسترقاق على ضحاياها المباشرين بل تعداهم ليلحق بالأبناء وحتى الأحفاد حين وجدوا أنفسهم في وضعية قاسية و معقدة تتسم بالجهل والفاقة والتخلف بسبب الحرمان من حق التعليم والتمدرس، وتعتبر تجمعات "آدوابه" المعزولة في المجموعة العربية ونظيراتها في المجموعة الإفريقية السوداء و أحزمة البؤس في المدن الكبرى ومشاهد عربات الحمير التي تجوب شوارعها ويقودها شبان قصر لم يعرفوا طريق التمدرس ومثلهم الآلاف من الفتيات القصر اللواتي يعملن كخادمات مستأجرات في البيوت، ورجال كثر مغلوبون على أمرهم يفرض عليهم واقع أسرهم البائس الاستمرار في مهنة مضنية لا يحسنون غيرها خير شاهدٍ على المصاعب التي تعاني منها هذه الشريحة بمختلف أجيالها من انخفاض في نسب التمدرس إلى التسرب المدرسي وارتفاع نسبة البطالة إضافة إلى غياب الأسس والمقومات الضرورية للحياة الكريمة والعيش الآمن، آخذين في الحسبان أيضا ظواهر الانحراف الأخلاقي والجريمة المنظمة التي تفشت في صفوف عناصر من فئة الشباب لدى هذه الشريحة كنتيجة حتمية لغياب التأطير الأسري والتوجيه التربوي، (ضعف المستوى العلمي للأولياء) و عدم تحمل الدولة لمسؤولياتها الأخلاقية والاجتماعية إزاءهم.
2. المستوى الإداري:
يعاني المتضررون من ظاهرة الاسترقاق و مخلفاته على المستوى الإداري من بعض الحيف وعدم الإنصاف الذي تتحمل الدولة القسط الأكبر من المسؤولية عنه حيث لم تعمل ما فيه الكفاية من أجل تسهيل نفاذهم إلى الخدمات الأساسية و تكوين و دمج العناصر المؤهلة منهم في الحياة النشطة خاصة الإدارة العمومية بمختلف قطاعاتها.
و في هذا الإطار عمل غياب الشفافية في مسابقات الوظيفة العمومية و تفشي الرشوة والمحسوبية في الإدارة و كذا استغلال الجاه والنفوذ و المحاباة على حرمان كثيرين من أبناء هذه الشريحة من حقوقهم المشروعة في الوُلوج إلى الوظائف و المناصب المهمة في ظل غياب أي سند أو رافعة اجتماعية معتبرة تشفع لهم و تحميهم من حيف المتنـفذين.
3. المشاكل العقارية:
و من تلك المخلفات التي استمرت كرواسب مزمنة ما تعلق بالملكية العقارية؛ حيث ترفض بعض القرى والقبائل في بعض الأحيان مشاركة الأرقاء السابقين في تملك الأراضي بحجة أن "الأسياد" هم وحدهم من يحق لهم تملكها رغم أنهم قد لا يستثمرونها، و هي المعلومات التي تؤكدها تقارير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، حيث تم العثور على حالات كثيرة يجتهد فيها الأرقاء السابقين على استصلاح و زراعة أراضي خصبة لعشرات السنين و فجأة يأتي بعض الأسياد المتنـفذين ويصادرونها بأحكام قضائية على خلفية الإدعاء بملكيتها المسبقة.
4. المستوى النفسي و المعنوي:
و من أخطر التأثيرات و المخلفات الناتجة عن ممارسة العبودية الجروح النفسية و المعنوية الغائرة التي ما زال المتضررون من الاسترقاق يعانون من ضغطها و تبعاتها داخل المجتمع، ويظهر ذلك جلياً في تعاطي الشرائح الاجتماعية الأخرى معهم و نظرتهم الدونية إليهم، حيث لا يحظون بالاحترام والتقدير الكافي كباقي الطبقات الأخرى فضلاً عن حرمانهم في بعض الأحيان من حقوقهم المشروعة في التملك والإرث ..
كل هذه العوامل وغيرها ولّدت حالة من الاقصاء والتفرقة الاجتماعية شكلت معوقات معنوية ومادية وحواجز نفسية حالت دون تحقيق المؤاخاة الحقيقية كما بشرت بها تعاليم الإسلام والاندماج الفعلي بين مكونات شعبنا، وخلقت أجواء من الشعور بالظلم وفقدان الثقة في صفوف أغلب عناصر هذه الشريحة، جعلهم في بعض الأحيان يشعرون و كأنهم ما زالوا تحت وطأة الممارسة رغم تمتعهم فعليا بالحرية، بيد أنها حرية منقوصة ما داموا لا يحظون بنفس الحقوق والمزايا المعنوية والاجتماعية وحتى الاقتصادية التي ينعم بها إخوانهم من أبناء الشريحة الأخرى.
رابعاً: أسس ومرتكزات معالجة المشكل:
و بناءً على ما تقدم فإن رؤية التجمع الوطني للإصلاح والتنمية لمعالجة الرق ومخلفاته تنطلق من الأسس والمرتكزات الآتية:
1. التأسيس ابتداء على الرؤية الإسلامية الرافضة لاستعباد الناس بغير وجه حق وهو ما يُعتبر المدخل الصحيح لمخاطبة الجذور الاجتماعية لهذه الظاهرة المخالفة في أغلب أصولها وممارساتها التي سادت في المجتمع الموريتاني لقواعد الشرع ومقاصده في التحوّط للحرية وإحسان المعاملة وإحكام القوامة مما يدفع حتماً للتخلص منه إقلاعاً وتوبة، تلك نظرة ونظرة أخرى إلى واقع البلد وما يحفه من دعوات وتحركات داخلية وخارجية و إحنٍ في النفوس و شعور بالمرارة والغبن تجاه الماضي وبعض جوانب الحاضر تدفع لا شك لتبني موقف شجاع و جريئ على مستوى مقاصد الشرع وفقه الواقع يرفض تلك الممارسة ويحارب بقاياها و مخلفاتها، خاصة إذا وازنّا بين المصالح والمفاسد واستحضرنا أن المصالح العامة مقدمة على الخاصة، وأن درأ المفاسد أولى من جلب المنافع، ون الفتن حين تحدث تعم الصالح إلى جانب الطالح، و أن الوقوف في وجهها يحتاج العقول الكبيرة التي لا تنتظر بالضرورة اتفاق الجميع لأن أغلب الناس لا يستشعرون نُذُر الفتن حتى تضحى واقعاً مَعيشاً.
2ـ العمل موازاة مع النقطة السابقة على التهيئة التربوية والنفسية لتجاوز الممارسة عبر تعضيد اللحمة الوطنية ونشر ثقافة التسامح و المحبة والأخوة الإسلامية بين كافة مكونات شعبنا بعيداً عن الدعايات العصبية والعنصرية والدعوات الانتقامية مع الرفض التام لمساعي تدويل المشكل وحرفه عن مسار تسويته داخلياً.
3ـ تفعيل الآليات التشريعية والقضائية لمحاربة كل مظاهر "الاسترقاق" بما في ذلك وضع الإجراءات العملية الكفيلة بتطبيق قانون "تجريم الرق".
4ـ اعتبار محاربة بقايا الرق والقضاء على مخلفاته مسؤولية الجميع وليس الضحايا وحسب، إذ من الخطأ النظر إلى المشكلة على أساس أنها مشكلة الأرقاء السابقين أو الحاليين لوحدهم فقط، بل أنها مشكلة الجميع وعلى المجتمع بكافة مكوناته و أطيافه العمل بسرعة وجدية لمعالجتها ومحو آثارها ومخلفاتها.
وفي هذا الصدد فإنه يتعين بروز عناصر تنتمي إلى مختلف فئات المجتمع في مجال مناهضة الاسترقاق والقضاء على مظاهره و مخلفاته وهو ما سيمثل رسالة إيجابية إلى الضحايا من شأنها الإسهام في تضميد الجراح والتهيئة النفسية لتجاوز الشعور بالمرارة الناجم عن بشاعة الممارسات الاستعبادية في الماضي وآثار مخلفاتها في الحاضر.
5ـ اتّباع سياسة تتسم بالتمييز الايجابي لصالح شريحة الأرقاء السابقين في المجالات التنموية والتعليمية والثقافية والصحية بما في ذلك منح الأولوية للتجمعات السكنية لهذه الشريحة وتوجيه الموارد إليها والتحفيز المادي لدفع أبنائها للتعليم لأن التعليم هو الجسر الوحيد الكفيل بعبور هذه الشريحة لحالة التخلف الناجمة عن الاسترقاق لآماد طويلة وهو ما يتطلب وضع استراتيجية تعليمية تعمل على تساوي الفرص بين أبناء مختلف الشرائح وخصوصا هذه الشريحة.
استناداً إلى ذلك وانسجاماً مع ثوابته المرجعية، فإن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) يجعل القضاء على بقايا الرق ومخلفاته في صدارة أولوياته و يهيب بكل القوى الوطنية أن تجعل هذه القضية من ثوابت النضال الوطني التي يلتقي حولها الجميع.
ولتجسيد هذا الموقف يعلن الحزب إنشاء جهاز مختص ملحق برئاسته تحت اسم "برنامج تواصل للقضاء على بقايا الرق ومخلفاته" مكلف حصراً بتصور وتنفيذ وتنسيق الأنشطة والجهود السياسية والتربوية والثقافية و التنموية التي تهدف إلى القضاء على ممارسة الرق ومخلفاته، وكذا التنسيق في هذه الميادين مع الأحزاب والقوى السياسية وهيئات المجتمع المدني والأجهزة الرسمية، ويتولى الإشراف على هذا البرنامج منسق خاص معين لهذا الغرض.
و الله أكبر و لله الحمد