المثلث الإشكالي في الفكر السياسي الإسلامي

ثلاثاء, 18/04/2017 - 19:23

قراءة في كتاب: نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره لـمحمد جبرون بقلم: د. الشيخ أحمد ولد البان

في كتابه (نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره) يناقش الباحث المغربي محمد جبرون عدة إشكاليات مركزية في التفكير السياسي الإسلامي ويضع العبارة السياسية الإسلامية في سياقها الحضاري والجغرافي والاجتماعي الذي يكشف أصالتها وأبعادها الكلية.

الكتاب من آخر إصدارات منتدى العلاقات العربية والدولية للعام 2015 ويقع في 254 صفحة من الحجم المتوسط مقسما إلى مقدمة وخاتمة وأربعة فصول، بسط الكاتب خلالها الحديث عن الفكر السياسي الإسلامي في تجربة وثيقة المدينة متتبعا تطوره من ما قبل عصر تدوينه إلى مرحلة عصر التدوين، ومعرجا على الثقافات التي أخذ منها بعض سماته.

وقد بين المؤلف في مقدمة كتابه أنه بصدد الإجابة على ثلاث إشكاليات يراها مهمة في الفكر السياسي الإسلامي، الأولى هي إشكالية الجذور المدنية للفكر السياسي الإسلامي في المرجع الديني الإسلامي في مستوى القرآن والتجربة التاريخية للرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم إشكالية أصالة الفكر السياسي الإسلامي وصفائه النوعي، وقد أبرز الكاتب فيها الإضافات النوعية التي أضافتها الثقافات المفتوحة إلى متن الفكر السياسي الإسلامي وعلى رأسها التأثير الفارسي والشرقي عموما، أما الإشكالية الثالثة التي تناولها الكاتب فهي: إشكالية علاقة الوحي بالسياسة، وقد ناقش الكاتب فيها مسألة السياسة الشرعية نافيا ما يؤكده أغلب الدارسين وهو أن الفكر السياسي في الإسلام فكر شرعي.

تناول الفصل الأول مدنية دولة المدينة من خلال قراءة مستفيضة لنص وسياق وثيقة المدينة التي أرست قواعد العقد الاجتماعي والسياسي لساكنتها في بواكير نشأة الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض لشرعية السلطة السياسية في المدينة والتحديات التي واجهتها من قبل اليهود والمنافقين.

كما تحدث الكاتب في هذا الفصل عن (دولة الرسول: المؤسسات والهياكل)، وقد قدم قراءة جيدة في حدود تلك الدولة وحجم سكانها مستنبطا ست مؤسسات رئيسة كانت تقوم عليها تلك الدولة؛ وهي مؤسسات: رئاسة الدولة، الجيش، القضاء، الوظيفة العمومية، الولايات، العلاقات الخارجية.

وقد خصص المؤلف الفصل الثاني من كتابه لبحث الفكر السياسي الإسلامي قبل عصر التدوين مبينا المصادر الرئيسة له في هذه المرحلة والتي تمثلت في كتب الأمثال والأدب والمسامرات والخطب والرسائل إضافة إلى آثار المتكلمين والفقهاء الأوائل.

كما حدد فيه قضايا وسمات هذا الفكر في هذه المرحلة من تاريخه، وقد تمثلت تلك السمات حسب رأيه في عدم الاستقلال المعرفي وغلبة التداول الشفاهي والعفوية المنهجية، إضافة إلى ارتباطه بالبيئة والعادا العربية السياسية وتأثره بالمحيط الثقافي.

أما الفصل الثالث (تدوين الفكر السياسي) فقد حاول التعرف فيه على اللحظات الأولى لنشأة العلاقة بين الوحي والسياسة، وقدم دراسة تحليلية لنصوص الفكر السياسي الأولى التي قسمها إلى أربعة أقسام هي: الكلام السياسي والفقه السياسي والآداب السياسية والفلسفة السياسية، وقد ختم هذا الفصل بمبحثين جليلين في الفقه السياسي المقارن هما: مكانة النص في الكلام السياسي ومكانة النص في الفقه السياسي.

رابع فصول الكتاب هو (الفكر السياسي الصوفي: معين الطاعة وحصن الجماعة)، ويعني المؤلف بالفكر السياسي الصوفي إسهامات علماء التصوف الإسلامي في الفكر السياسي أمثال أبي حامد الغزالي وأبي عبد الله الحميدي ومحيي الدين بن عربي الحاتمي.

كما عرض المؤلف في هذا الفصل لمقومات الفكر السياسي الصوفي القائمة على قاعدة: الإصلاح بالحِكَم أول من الإصلاح بالأحكام، منهيا كتابه بمبحث كبير تناول فيه تاريخ التصوف مع السياسة وجهودة المتصوفة في الفكر والممارسة السياسية عبر التاريخ الإسلامي.

وكما قال المؤلف فإن الدراسات والأبحاث المكونة لمتن هذا الكتاب تتيح لنا تشكيل وجهة نظر قوية ومتوازنة حول القضايا الإشكالية التي تواجه الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وفي مقدمتها المثلث الإشكالي الذي تتكون أضلاعه من المدنية والأصالة والعقلانية السياسية.