السعي لاستعمار الإسلام/ زدروني سومية

ثلاثاء, 17/01/2017 - 15:59

أنت مجرم ما دمت تطيل لحيتك لا يهم الأسباب التي ستتحجج بها، ولا يهمهم موس الحلاقة الغير موجود في بيتك، وأنت متطرفة مادامت ترتدين الحجاب، لن يسألوك عن الديانات والمعتقدات، العربية أيضا كلغة في قفص الاتهام، فما إن نطقت "السلام عليكم" حتى ينفض من حولك الجمع، وكأنهم سمعوا صفارة إنذار تطالبهم بمغادرة المكان، الملامح الشرقية قد ترمي بك في السجون، فعيونك السوداء ليس مجرد جينات وراثية، وشعرك الأسود ليس موضة دارجة ولا صبغتهم المحببة، الأهم من ذلك أن يجدوا شخصا تتوفر فيه كل الأركان المادية والمعنوية ليلقوا به في زنزانة "الإسلام والإرهاب".

يمين متطرف، أو يسار يحاول مواكبة التطرف، كلها اتحدت ضد الجالية المسلمة في فرنسا، حتى وإن اختلفت على صناديق الاقتراع، "حرية، مساواة، إخاء" وإن كان شعار يحمل في طياته الكثير من السلام والعدالة، ويكفل للآخر العيش بكرامة، إلا أنه يضرب عرض الحائط ويكسر في وجوه الجالية المسلمة هناك، فالحرية أن ترتدي ما تريده هذه الدولة، وطبقا لما تراه يريح نفسيتها، ويروج لسمعتها، المساواة أن نتنفس نفس الأوكسجين، ونؤدي نفس الواجبات، لكن ليست لك حقوق ما دمت تختلف عنهم في الشكل واللون، الدين، الإخاء بينهم جزء من العنصرية، فالصداقة والأخوة لا تتعدى حدود الجنسية. 

فرنسا التي استعمرت الجزائر سنة 1830، هي فرنسا التي تحاول استعمار الإسلام في سنة 2016، تغير القادة والرؤساء، لكن لم يتغير العداء، وظل الحقد على كل ما هو إسلامي، يخرج للعلن رغم راية الحريات التي تلوح بها في كل المحافل الدولية ورغم الخطابات التي تلقيها على مسامعنا في كل المناسبات العالمية، لكن في كل مرة توجه مدافعها للمسلمين، وتلصق كل سيئ بأجسادهم، وتلطخ ثيابهم بالتهم الموجهة لهم، فالمسلم في ذلك البلد ما هو إلا مجرما قيد الإثبات.

 في سنة 1930 وبالتحديد في الجزائر، أقامت فرنسا احتفالا كبير على شرف مرور 100 سنة على احتلال الجزائر، فجمعت كل قادتها وبعضا من ممثلي الاستعمار الأوروبي في البلدان العربية لانتهاج تجربتها، وأسمت هذا الاحتفال "بجنازة الإسلام" كي تظهر للعالم بأسره، أن الجزائريين أصبحوا قابلين للاندماج وسط المجتمع الفرنسي، فأتت بنساء جزائريات، لإحياء هذه التظاهرة، وهذا بمساعدة رجل دين مسيحي يسمى "لاكوست" تكفل بتجريدهن من الهوية الإسلامية، وحضر إلى جانب الوفد، الإعلام الفرنسي ليؤرخ لهذا المناسبة ويكون المثال في تحويل الجزائر إلى مقاطعة فرنسية.

جلس الحضور في المسرح، فرفعت الستائر، لتخرج النساء الجزائريات، باللباس الجزائري "الحايك" الذي يشبه اللباس الإسلامي من حيث الستر، مخالفا لما كان منتظرا، أن تطل باللباس الفاضح، يومها خرج الإعلام الفرنسي متسائلا: ماذا كانت تفعل فرنسا طيلة قرن في الجزائر؟ فرد لاكوست في مقولة شهيرة "وماذا أفعل إذا كان القرآن أقوى من فرنسا".

في سنة 2004 أصدرت فرنسا قانونا، يقضي بمنع الحجاب في الجامعات والمدارس، رغم الضجة التي أحدثها هذا القانون والفاجعة التي صعقت بلد الحريات، إلا أنها بررت ذلك بأنها دولة علمانية تفصل الدين عن الدولة، والحجاب يعيق الطلاب، وترفض رفضا تام ارتداء رموز تدل على الانتماء الديني في المدارس والمراكز الحكومية، زوبعة من الرفض والشجب، هدأت مع مرور الوقت، دون أن تسلط أي عقوبة على خرق مبدأ الحرية التي ترفعه كلواء. 

في سنة 2010 يصدر قانون بمنع النقاب في الأماكن العمومية، وتسلط غرامة مالية على من يخالف هذا القانون، الضجة هنا كانت أخف، فالكثير اعتبر النقاب ما هو إلا ستار للإرهابيين والمخربين، وأن الكثير من العمليات الإرهابية آنذاك جاءت مختفية في النقاب، وعللت ذلك، بأن من حق الآخر أن يعرف من يحدثه ومن يتعامل معه، والنقاب يصعب على أجهزة الشرطة التفتيش والتعرف على صاحبته، واعتبرته لباس مخيف في شوارعها وسلطت غرامة مالية على كل من يخالف هذا القانون.
في سنة 2016 تجريد امرأة محجبة في شواطئ نيس من ملابسها، أمام أعين الكاميرات، حادثة مؤرخة بالصور، وحظر لباس "البوركيني"، كلباس سباحة إسلامي في العديد من البلدات الفرنسية، بحجة أنه مخالف للألبسة الشاطئية، ولا يتماشى مع قوانين فرنسا العلمانية، هي الضجة التي شاهدناها هذه الشهور، وهدأت بعد فترة قصيرة لم تتعدى الذهول الذي أصابنا، والعنصرية التي اجتاحت شواطئهم.

المتابع لكل هذه التواريخ، يكتشف بأن فرنسا كل ستة سنوات أصبحت تقيم "جنازة للإسلام" فتدق في كل مرة مسمار في نعش صمتنا، يوما تخلع عنا غطاء الرأس، ويوما آخر نقاب الوجه، وبعدها تجردنا من ملابسنا أمام أعين منظمات حقوق الإنسان، وأمام قلق الأمم المتحدة، فمنذ سنة 1930 فرنسا تمشي بخطى ثابتة في هذه الجنازة، تقتل كل شيء فينا، ديننا، انتماءنا وسط صمت دولي، يمارس طقوس العزاء في كل خرجة من خرجاتها اللانسانية.
المؤسف والمخجل هو موقفنا كمسلمين في كل هذه الضربات التي نتلقاها، كلما تقدمنا خطوة، تعيدنا فرنسا لنناقش قضايا قديمة جدا، فاليوم بدل أن نتحد ونندد، ونرفع الشكاوى للأعلى هيئات قضائية في العالم، جلسنا على طاولة الفتوى، نبحث هل "البوركيني" حلال أم حرام؟، ونحلل على الشواطئ هل يلتصق بالجسد أم لا؟ وهل ذهاب المرأة للبحر جائز أم باطل؟، هل رأيتم جهلا يفوق جهلنا؟ 
في الأخير أصبحت دار الفتوى عند المسلمين هو قصر الإليزيه، هو الفاصل في اجتهادنا، وحتى في خيبتنا، وقبلتنا لمناقشة القضايا الدينية بلد الجن والملائكة، ننتظر أن يطل علينا رئيس هذه الدولة ليخبرنا ما مدى صحة إيماننا، والحلال والحرام الذي يجب أن نتبعه في ديننا، يا خوف قلبي أن نصل لزمن نصوم لرؤيته في برج إيفل ونفطر بأمر منه في الإليزيه، إرضاءا لتشريعاتهم.

المصدر: مدونات الجزيرة