أهمية بناء المفاهيم / د. طه جابر العلواني

اثنين, 09/01/2017 - 19:39

يمثل المفهوم خلاصة الأفكار والنظريات والفلسفات المعرفية، وأحيانا نتائج خبرات وتجارب العمل في النسق المعرفي الذي يعود إليه وينتمي إلى بنائه الفكري.

المفاهيم ليست ألفاظا كسائر الألفاظ، بل هي مستودعات كبرى للمعاني والدلالات كثيرا ما تتجاوز البناء اللفظي وتتخطى الجذر اللغوي لتعكس كوامن فلسفة الأمة، ودفائن تراكمات فكرها ومعرفتها.

المفاهيم كذلك مغايرة للأسماء من حيث الدلالة والوظيفة المعرفية وإن كانت اسماً من حيث الإعراب وهو كذلك مغاير للمصطلح.

بين المفهوم والمصطلح:

المصطلح: هو ما يصطلح عليه جماعة من الناس تجمعهم حرفة أو مصلحة أو سواها على إطلاق لفظ  بإزاء معنى أو ذات.

أما المفهوم: فهو أشبه بوعاء معرفي جامع يحمل من خصائص الكائن الحي أنه ذو هوية كاملة قد تحمل تاريخ ولادته وصيرورته وتطوره الدلالي وما قد يعترضه من عوامل صحة ومرض.

ولذلك كانت دائرة المفاهيم أهم ميادين الصراع الفكري والثقافي بين الثقافات عبر التاريخ.

أول ما تصاب به الأمم في أطوار تراجعها الفكري والمعرفي والثقافي –مفاهيمها- وأول ما يتأثر بعمليات الصراع الفكري والثقافي مفاهيمها كذلك. وأهم الأمراض التي تعتريها الميوعة والغموض؛ فالميوعة تنشأ عن تساهل الأمة في مفاهيمها، فقد تستعير اسما أو مصطلحا من نسق معرفي آخر بطريق القياس القائم على توهم التماثل والتشابه لتتداوله مع مفاهيمها كمفهوم مرادف مساو أو بديل أو مترجم.

قد تتناسى الأمة خصوصياتها المعرفية وتخلط بين ما هو مشترك إنساني كالعقليات والطبيعيات والتجريبيات وما هو من الخصوصيات المللية، فتتساهل باستعارة المفاهيم من غيرها حتى تفقد خصوصيتها الشرعية والمنهاجية.

أدى الاحتكاك غير المنضبط أو المبرمج بالغرب الأوروبي، وإزالة سائر الحواجز بين العقل المسلم وبين مفاهيم الغرب بأنواعها المختلفة، إلى أزمة معاصرة ما زلنا نعاني منها، مما جعل هذه المفاهيم تسيطر على العقل المسلم فشغلته عن البناء المعرفي المنبثق من نموذجه ومنهجه الخاص. فلم يحقق من جهوده تلك تراكما معرفيا، بل تراجعا أدى به إلى الوقوع في استلاب شبه تام فاقدا الإحساس بتراثه وتاريخه ورسالته ومسؤوليته ووسطيته.

تحولت المفاهيم السائدة في ظل ذلك التداخل والتشابك العجيب الذي حدث في الساحة المعرفية العربية بالذات بين التوافد الدخيل والموروث المترسب، من وسيلة تعبير عن الذات والهوية إلى وسيلة للانفكاك عن الهوية دون حصول على بديل لها وتذبذب في الانتماء واختلاط في الانتساب.

لقد ثبت أن تحريك الأمة لا يمكن أن يتم بما يخالف عقيدتها أو يتناقض مع مفاهيمها الأساسية بل لا بد من تنامي وعيها تنامياً ذاتياً، وإطلاق طاقاتها، وتفجير الكامن من قدراتها، وعلاج أوجه القصور المختلفة في فكرها وإزالة العوائق من أمامها لتتحرك الأمة بمجموعها ويتحرك إنسانها بمجموعه لتحقيق الأهداف والمقاصد القائمة على منهجيته ومنسجمة مع ثقافته وفلسفة وجوده ومنطلقاته الفكرية.

-------------------

- من مقدمته لكتاب : بناء المفاهيم.

* المصدر : موقع يقظة فكر.