الشيخ أحمد جدو ولد أحمد باهي يكتب: توضيحا للمستغربين، وإنصافا للمظلومين

سبت, 23/04/2016 - 16:07
الشيخ أحمد جدو ولد أحمد باهي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلم،

أما بعد،

فقد تواردت علي أسئلة عديدة تستغرب – أو تستنكر - زيارتي للرئيسين الحقوقيين السجينين بسبب مشاركتهما في مظاهرة سلمية، بيرام ولد اعبيدي، وإبراهيم ولد بلال، ورغم استغرابي لهذا الاستغراب، والاستنكار، فإنني أود تقديم عدة ملاحظات وتوضيحات حول الموضوع..

 

في البداية من المهم الإشادة بموقف بعض الإخوة الفقهاء الذين أبدوا رضاهم عن هذه الزيارة، وأثنوا عليها، بل رأى بعضهم أنها تأخرت كثيرا، وطالب بعضهم بتكرارها، وكان للجميع دور في كتابة هذا الأسطر حول الموضوع.

 

ودون الخوض في الكثير من المقدمات، أقول، للمنكرين، والمتعجبين، والمستغربين، لقد قمت بزيارة الأخوين بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، وإبراهيم ولد بلال في سجنهما لأسباب كثيرة، أذكر منها:

 

1 - نصرة للمظلوم: وهي لا شك حق لكل مسلم على المسلمين، والله تبارك تعالى "حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما"، - كما في الحديث القدسي –  والاختلاف مع المظلوم في بعض الجزئيات لا يسقط حق نصرته والوقوف معه.

 

ولا شك أن المبرر الذي قدم لاعتقالهما، والزج بهما في السجن طيلة 16 شهرا الماضية لا يستقيم، حيث جاء إثر مشاركتهما في مسيرة سلمية في فضاء مفتوح من الأرض، لم تهدد سلما، ولم تضرا ممتلكا، وهي حرية تكفلها الشرائع، وتحميها القوانين، وقد صدق ابن تيمية – وأحسن – حين قال "إن العدل واجب لكل أحد، على كل أحد، في كل حال، والظلم محرم مطلقا لا يباح بحال".

 

2 - رفضا للاستبداد، وحفاظا على الحريات، وحماية لها: لأن حرية الأفراد يجب أن تظل محترمة، ومصانة، وأن لا تقيد بهوى أو مزاج مستبد، أو ظالم، ومهمة حمايتها تقع على الجميع، والدفاع عنها قول للحق في قضية سلطانية جائرة،ورفع للصوت ضد قرار ظالم، وهذا أصل شرعي، وتأس بسلف صالح في ماضي الأمة، وسير على طريق سلكه إمامنا مالك بن أنس، وسار على دربه أجلة من العلماء كانوا "معالم على طريق" الوقوف في وجه الظلم، ونصرة المظلومين.

 

3 - نصرة لأخوة الإسلام في كل الظروف والأحوال "انصر أخاك ظالما أو مظلوما".

 

وقد جلست مع الأخوين بيرام ولد اعبيدي وإبراهيم ولد بلال فتدارسنا مرجعية الشريعة لجميع جوانب الحياة بما فيها محاربة الرق، وبقايا الاسترقاق، وتحقيق العدالة والمساواة، كما تدارسنا سبل النضال، وضرورة كل تصعيد ينبه المجتمع لما بحياته من خلل وما يتهدده من أخطار ما لم يخالف الشرع أو يصل إلى درجة العنف.

 

هذا بالإضافة إلى قناعة راسخة بأن الحوار والتعاون والتنسيق في المشترك من الأهداف والوسائل - وهو كثير - يجب أن يظل سبيلا وحيدا بين شركاء الدين والوطن، وأن المسلم لا يترك أخاه لزلة أو مخالفة، بل يحرص عليه، ويتأول له، ويحسن به الظن، فالأمور بمقاصدها، والنظر المنصف يكون إلى الكليات والأهداف الكبرى في الحرية والعدالة والمساواة، لا إلى جزئيات الأفعال واﻷقوال.

 

ومن المعلوم بداهة أن الزيارة والتضامن والتعاون والتنسيق لا يعني الاتفاق في كل شيء عند أي من الطرفين، مع أنى لم أسمع خلال اللقاء إلا فكرا مستنيرا، وطرحا رصينا، ورؤية واضحة، وثقة في المستقبل.

 

ولا يزال عجبي ممن يجالس أصحاب الجور، وأصحاب البدع، وأصحاب الشركيات، وأصحاب الفسق البين، ويبرر ذلك بأنه من حق الإسلام، وحق الوطن، ومصلحة البلاد، وموازين القوى، وقد يكون محقا في ذلك، ثم يتجاوز تلك الاعتبارات كلها، حين يتعلق الأمر بزيارة مظلوم تظاهر سلميا، ودافع عن قضية عادلة، تتعلق بالحرية والمساواة والعدل.

 

لقد بت أخشى أن يكون لعاطفتنا الإيمانية لون تنظر من خلاله، وهو أمر لا يستند إلى شرع، ولا إلى منطق سليم، فالظالم يجب الوقوف في وجهه بغض النظر عن لونه، أو عرقه، أو لغته، أو دينه، والمظلوم تجب نصرته، والوقوف معه حتى يزال الظلم عنه، بغض النظر عن لونه، أو عرقه، أو لغته، أو دينه، وأي معيار آخر سيكون ظالما بنسبة تجاوزه لأحد هذه المحددات.

 

وأخيرا، أشكر كل من علق على الموضوع، ومن نصح، وراسل، أو اتصل، فقد استفدت من الجميع، ولا شك أن التناصح ركن ركين من أركان ديننا الإسلامي، بل إن "الدين النصيحة"، وانطلاقا منها جاءت زيارتي للأخوين.

 

وقد زادتني الاتصالات والمراسلات قناعة بالفتوى التي صدرت العام الماضي، ونبهتني على الدور الكبير الذي يجب للعلماء والفقهاء والدعاة أن يقوموا به في معالجة المشاكل التي يواجهها المجتمع، والواجب المترتب عليهم تجاه جمهور المسلمين، وهي فرصة لأدعوهم للصدع بآرائهم، وإعلان كلمة الحق، وتبرئة الإسلام من بعض المظاهر التي تنسب إليه وهو منها براء، وتجلية تشوفه للحرية والتحرر، وإخراجه للناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

 

وقد ظلت أدوارهم على مر التاريخ مضيئة، فهم من يحملون الدين للأمة "ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"، وقضية الاسترقاق في هذه البلاد اجتمع فيها انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.