أنيسة با...بنت "تواصل" ورمز التواصل

أحد, 12/08/2018 - 01:07

بخطى هائدة وطبع هادئ تتقدم الفتاة التواصلية "أنيسة جينابا عيسى با" كوكبة من النساء التواصليات اختارها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية لمهمة المنافسة على اللائحة الوطنية للنساء التي تنتخب على المستوى الوطني.

في نواكشوط ولدت أنيسة منتصف الثمانينات وفيه أكلمت تعليمها من الروضة إلى الجامعة؛ لتتخرج بشهادة "المتريز" في الأدب الانكليزي التي حصلت قبلها على باكلوريا الآداب الأصلية و BT في المحاسبة.

ترعرعت أنيسة في المشروع السياسي للإسلاميين منذ الإصلاحيين الوسطيين وعملت فيه ناشطة محلية في بلدية الميناء بالعاصمة، ثم قيادية في المنظمة النسائية للحزب، فعضوا في مجلس الشورى، وأخيرا أمينة وطنية مكلفة بالانسجام والوحدة الوطنية عضوا في المكتب التنفيذي، وقبل ذلك كانت أنيسة انخرطت في سلك الصحوة الإسلامية منذ أيامها في الإعدادية حين وجدت في حلقات الوعظ التي تُنظم في المؤسسات الثانوية منهلا إيمانيا ودليلا هاديا قادها بسلام في دروب المراهقة.

في الخطاب الدعوي وفي المشروع السياسي وجدت أنيسة ضالتها؛ دعوة تجمع ولا تفرق، تحارب العنصرية وتنشر السلم، ومشروعا سياسيا يعزز الوحدة الوطنية وينصف المظلومين، تذكر أنيسة كيف وجدت في دروس الشيخ محمد ولد آبواه في جميعة "الحكمة للأصالة وإحياء التراث" خير مثال على نبذ دعاوي الجاهلية، وكيف وجدت في الأيام التربوية التي كانت تشرف عليها الداعية "ازوينة" في أحياء الميناء محضنا إيمانيا لا فرق فيه بين الناس إلا بالتقوى.

تواصل في زمن القطيعة

يقوم مشروع "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" على جسر الهوة بين المكونات الوطنية وتقوية أواصر المحبة والتآلف لذلك اختار مؤسسو الحزب أن يكون اختصارَه -الموجزَ لرسالته ومشروعه واسمه- هو "تواصل" فلا غرابة –إذن- إذا اختارت أنيسة هذا الحزب من بين الأحزاب الوطنية ليكون مشروعها وبيتها السياسي ولا غرابة إذا اختار تواصل أنيسة لتكون اليد "الأمينة" المكلفة بالانسجام والوحدة الوطنية فحياتها كلها قائمة على التواصل والتوافق والالتقاء على الخيارات الوسط.

من الاسم تبدأ قصة "أنيسة جينابا" مع خُلق التواصل فحين ولادتها اختار لها والدها اسم "أنيسة" وهو من الأسماء التي دخلت إلى المجتمع الموريتاني من خلال التواصل الثقافي مع المجتمعات العربية في العصر الحديث، واختارت لها والدتها اسم "جينابا" (زينب) الذي يرمز إلى تعانق الأسماء الإسلامية مع اللغات الإفريقية، وأخيرا استقر الأمر على أن تسمى باسم مركب من الاسمين وذلك ملمح من اختيار الحلول التوافقية ستتربى عليه.

خطت أنيسة خطواتها الأولى في أحياء العاصمة من "كبتال" إلى "سيزيم" بين جيران يسود بينهم التواصل والجِيرة البناءة رغم اختلاف أعراقهم و قبائلهم، فتشربت التعالي على القطيعة الاجتماعية وعزز من ذلك تربية والدتها التي روت لها مرارا قصص نشأتها في بيت صديقة لأسرتها أحبتها حبا جما وطلبت من والديها أن يتركوها تعيش معها، وكيف اكتسبت من ذلك معرفة واسعة باللغة الحسانية وعادات الناطقين بها.

مع بدايات إداركها كادت "قطيعة الرحم الوطني" التي أنشبت أظفارها في أواصر المجتمع الموريتاني نهاية الثمانينات أن تعصف بروح التواصل الذي تربت عليه، فعاشت -وهي في سن الرابعة- أجواء الرعب حين كانت عصابات الغدر تحوم حول منزل خالتها الذي آوت إليه هي وأمها إبان أحداث الجمر في 89 وتتذكر أنه لولا عناية الله أولا ثم إتقان والدتها للحسانية لوقعن ضحية لتلك الاعتداءات كما وقع لبعض الجيران من حولهن.
ورغم هذه الحادثة الأليمة، ورغم استيلاء عصابات النهب على منزل جدها لسنوات، لم تتسرب الكراهية وحب الانتقام إلى نفس تلك الفتاة الصغيرة مطلقا، بل على العكس من ذلك كانت مشاعر الصداقة والمحبة هي التي تولت تحديد مسارها.

فحين دخلت أنيسة المدرسة الابتدائية كان عليها أن تنتسب منذ السنة الثانية إلى الشعبة الفرنسية بسبب انتمائها العرقي، وفق ما رسم عرابو التفرقة الذين قطعوا أواصر المجتمع حتى في التعليم، لكن أنيسة رفضت ذلك لأن صديقاتها المفضلات سجلن في الشعبة العربية، ورغم إصرار الأهل والإدارة على عكس رغبتها إلا أن مشاعر الصداقة ودموع البراءة انتصرت وواصلت أنيسة وصديقاتها مسارهن الدراسي معا حتى الثانوية.

الاندماج الاجتماعي مظهر آخر من مظاهر ثقافة التواصل التي تربت عليها أنيسة صغيرة واتخذتها رسالة ومشروعا، فالفتاة الفلانية التي عاشت مع والدتها المتزوجة من بيظاني وتقاسمت مشاعر الأخوة مع أخ واخت بيظانيين ستكون هي نفسها "أم خيمة من البيظان" ورمزا لاندماج اجتماعي طالما دعا له حزب تواصل ورآه جزء من الحل المطلوب لخلق مجتمع قوي الأواصر "نسبا وصهرا"

... و في التخصص والمهنة

"اللغة وسيلة تواصل" ولأن كلا ميسر لما خلق له كانت اللغات المجال المعرفي و المهاري الذي انفتح لأنيسة وأعانها على مشروعها التواصلي، فخريجة الأدب الانكليزي الحاصلة على باكلوريا الآداب العربية الأصلية تتقن الفرنسية و كانت في مرحلة دراستها الثانوية من بين رواد نوادي قراءة الروايات الفرنسية المثابرين

وبالإضافة إلى هذه اللغات العالمية الثلاث (الانكليزية والعربية والفرنسية) تتقن أنيسة ثلاث لغات محلية: البولارية والحسانية والولفية

عرفت أنيسة أهمية اللغة كأداة تواصل في عدة محطات من دراستها لكن أبرزها كان في مرحلتها الجامعية فقد كان قسم اللغة الانكليزية الوحيد من بين أقسام الجامعة الذي يتألف طلابه من مختلف مكونات المجتمع على عكس الأقسام العربية والفرنسية التي يختص كل منها بمجموعة عرقية بسبب النظام التربوي الذي كان يقدم لكل عرق تعليما بلغة واحدة.

استوحت أنيسة من تجربتها أهمية البرنامج التربوي الموحد الذي يجمع أبناء الوطن على طاولة معرفية واحدة يتلقون عليها تربية وطنية واحدة وينسجون حولها صداقات متعددة الانتماءات، واستلهمت أهمية أن يكون الجميع يتكلم لغات الجميع فاللغة مفتاح القلوب و المعين على إدراك العادات و التقاليد وما يستحسنه كل قوم أو يستقبحونه.

الإعلام حقل آخر من حقول الاتصال والتواصل طرقته أنيسة و جعلته جسرا لإيصال رسالتها القائمة على بناء المشترك ونشر ثقافة الالتقاء على الحلول الوسطى، مستخدمة مهاراتها في وسائطه التقنية واللغوية لإيصال هذه الرسالة إلى القلوب والعقول.

وكما تلخص تجربتها في دراسة اللغة في أهمية البرنامج التربوي الموحد تلخص تجربتها في الإعلام التي تقارب عشر سنوات في أهمية أن يقدم الإعلام الوطني محتوى يجد فيه كل المواطنين أنفسهم لغة ومضمونا، حتى لا يضطر بعض المواطنين للبحث عن نفسه في إعلام خارجي.

الإعلامية الشابة هي أيضا مدونة تنشر وتتابع ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي باللغات الثلاث الأكثر حضورا في هذه الوسائط في موريتانيا: العربية والفرنسية و البولارية، ويحز في نفسها أنها تلمس ضعفا في اشتراك المواقف والآراء بين ما ينشر بكل لغة، وتتمنى أن ترى اللحظة التي تزول فيها هذه الحالة.

هذا الاختلال في التواصل الاجتماعي الافتراضي والواقعي لا ترضى مسؤولة الانسجام والوحدة الوطنية في حزب تواصل أن يستمر في المستقبل و لذلك قبلت المهمة التي انتدبها لها الحزب في حمل رسالته الجامعة بمرجعيتها الإسلامية وانتمائها الوطني وخيارها الديمقراطي لتوصل رفقة نواب الحزب خطاب الوحدة والانسجام إلى قبة البرلمان ومنه إلى عموم الأمة الموريتانية.

ذ/ المختار ولد نافع