الرؤية المرجعــــــية لحزب التجمع الوطني للإصلاح و التنمية

أربعاء, 14/02/2018 - 13:34

 

(.. إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ ٨٨) ـ [هود].
 

تمهيـد:

جاء ميلاد التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) في 20 رجب 1428 هجرية، الموافق الثالث من أغشت 2007، تتويجا لمسيرة حافلة من التضحيات والنضال السياسي المدني، وامتدادا طبيعيا بحكم المنطلقات والمواقف والخيارات لحركات الإصلاح والتجديد التي عَرَفتها مسيرة هذا الشعب بكل مكوناته، من دعوات إصلاحية مشهودة، وجهود لأئمة وعلماء عاملين أثروا الساحة الثقافية والعلمية في الداخل والخارج وشكلوا جميعهم مصدر فخر وإلهام لروح التضحية والجهاد وقيم العزة التي حركت أبطال المقاومة الوطنية غيرة علي عقيدتهم أن تمس وصونا لكرامة وطنهم أن يدنس وذودا عن حماه أن يداس.

 

لماذا الرؤية

إن بناء مقاربة للتعامل مع الواقع واستكناه أغواره أمر ضروري وحاسم ، وأُولى لبنات هذا البناء هي صياغة رؤية واعية بالواقع ومتشبثة بالثوابت ومرنة في التعاطي مع المتغيرات، رؤية توازن بين الغايات العظمى والمقاصد الكبرى التي تعبدنا الله بها وهي ثوابت لا محيد عنها ولا مساومة بشأنها في مقابل وسائل إجرائية وأدوات منهجية هي مناط اجتهاد العقل البشري ومقارباته لتنزيل تلك الرؤية.

وتنطلق هذه الرؤية من نظرة متفاعلة مع مختلف جوانب الحياة تسترشد بها جماهير الحزب تفاعلا مع الواقع وأداء في الساحة، وتبصر الشركاء بهوية الحزب مقاربات وتصورات،  تنظر لتراث الأمة وإرث علمائها وقادتها ومصلحيها بعين التقدير والاعتبار وبمنطقِ التواصل والاسترشاد، لا تنعزل عن المجتمع فتهمله ولا يقدم أهلها أنفسهم بديلا عنه فيلغوه، بل هم جزء لا يتجزأ منه وثمرةٌ من ثمار حِراكه الداخلي الحي، وإفصاحٌ حقيقي عن هُويته الحضارية بكل أبعادها وتجلياتها.. يحملون همومَه وأوجاعه ويترجمون مطامحَه وتطلعاتِه. نشدانا للإصلاح والتغيير نحو الأفضل، واستجابة لمتطلبات الحاضر وتحديات المستقبل، وتساوقا مع سنة التدرج والمرحلية على هدي من الإسلام وشرعته.

 

الرؤية منطلقات ومرتكزات:

  صاحَبَ بروزَ الوعي الإسلامي الحديث حِراكٌ فكري وثقافي واسع جاء استجابة واعية لرفع تحديات داخلية وأخرى خارجية أنتجت مدارس وتيارات فكرية وثقافية تباينت في اجتهاداتها ورؤاها ومشاريعها النهضوية حيال تشخيص واقع التخلف الذي حاق بالأمة. كما تباينت في تلمس أسباب الخروج منه وتجاوزه؛ وخروجا من حالة التداخل والالتباس الفكري ونهوضا بمقتضيات الواجب والمسؤولية فإن التجمع الوطني للإصلاح والتنمية  (تواصل) يضع هذه المنطلقات والمعالم  لتكون مرجعا  له في التصور والممارسة، وإطاراً ناظما في المنطلقات والمواقف، وموجها راشدا للخط الفكري والاختيارات، ومحدداً هادياً في تدبير التدافع و التعاون مع الشركاء والفرقاء وفق نظرة متفاعلة مع الواقع عبر جدل خلاق يتجاوزه بإبداع حلول ناجحة لقضاياه ومشكلاته، وتؤسس لبناء مجتمع ناهض يخرج من ضيق الرأي الواحد وإطلاقاته إلى تعدد الآراء وثرائها، ومن تعسف الحكم على المخالف في الاجتهاد والرأي بأوصاف النفي والإلغاء إلى رحابة الأخوة الإيمانية الجامعة، ومن ذرائعية العمل السياسي وإخساره لدى البعض إلى وجوب مبدئيته ونقاء سريرته.

تلك نظرات تأسيسية أردناها وقفات وعزائم بين يدي منطلقات مبدئية ومعالم هادية على طريق غير لاحب تكثر فيه مساحات العفو ومظان الاجتهاد التي تـتـنازعها الرؤى وتتعدد فيها الأفكار والآراء بتغير الزمان والمكان والحال جلباً للمصالح ودفعا للمفاسد.

وتتحدد هذه المنطلقات في:

1- المرجعية الإسلامية:

إذا كان العديد من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية يجتهد للتدليل على وجوب التزام مرجعية الإسلام وصلاحية أحكامه لكل زمان ومكان، فإننا في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية  (تواصل) لا نواجه مثل هذا الإشكال، فالإسلام مرجع معتمد دستوريا وأهليا، ويمثل مرتكز هوية هذا الشعب بمختلف مكوناته وأعراقه وتوجهاته السياسية.

فنحن نؤمن بأن الإسلام هو الدين الكامل الذي أراد الله الحكيم الخبير ان يتوج به رسالاته على يد خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا ٢٨) ـ [الفتح].

ومن خصائص الإسلام الوسطية التي هي مقصد شرعي ومبدأ أخلاقي أصيل تقوم عليه جميع مظاهر الحياة بمختلف أبعادها الروحية والمادية، بما يضمن التوازن والتكامل، فلا يطغى جانب على آخر؛ وسطية بين الغلو والتقصير تتسم بالتيسير لا التعسير والرفق لا العنف والتبشير لا التنفير توازن بين المصالح والمفاسد دفعا لكبرى المفسدتين وجلبا لأكبر المصلحتين، وتلتزم بفهم الواقع قبل تنزيل الحكم عليه وتعتبر المآلات والمقاصد الشرعية وتؤمن بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان دونما تفريط في الثوابت أو تساهل في المبادئ، تسديدا ومقاربة وتقديرا للظروف والأحوال.

وقد امتن الله على هذا الوطن بالهداية لهذا الدين وكرم شعبه بشرف الانتساب إليه والتمسك به والحرص عليه، وكانت تلك الخصوصية عاملا قويا في حسم خيارات التأسيس لحظة اشتداد التلاغي بين الهويات الجزئية فاهتدى لها المؤسسون حين اكتشفوا قصور تلك الولاءات عن تغطية كافة أطراف الجسم الوطني المشكل من عرقيات ومكونات مختلفة لا يجمعها إلا لحمة الدين والانتساب للوطن الواحد.

وانطلاقا من كل ذلك فإننا في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية  (تواصل) نؤكد تمسكنا بالإسلام بشموليته ووسطيته واعتداله مجسدا في مصادره الأساسية (القرآن، السنة الصحيحة، إجماع الأمة) دينا وهوية ومنطلقا ومرجعية، نصدر عنه في انتسابنا الوطني واختيارنا وأساسا لمرتكزاتنا وهاديا لمعالمنا.

 

2- الانتماء الوطني:

احتضنت هذه البلاد المباركة رسالة الإسلام الحنيف وطوت عليه أعطف المشاعر وأنبل العواطف فكان لها عامل قوة ونهضة وثراء لا منزع فرقة وعداء، موريتانيون بهذه البقعة الكريمة نبتـنا بها وعليها نشأنا، فلها إذا ذكرت الأوطان يتمحض انتماؤنا وتتحد غاياتنا، ومن مقتضيات ذلك الانتماء الذب عن حماها والمحافظة على وحدة أهلها وتقديم مصلحتها على ما سواها ورقي اقتصادها وازدهار تنميتها، وحماية حوزتها الترابية والمحافظة على استقرارها وتعزيز استقلالها ومكانتها في العالم والجوار من حولها.

 

3- الحرية:

ظلت الحرية حية في وجدان البشرية متجذرةً في ثقافتها متأصلةً في وعيها وذاكرتها. وفوق ذلك كانت في مقدمة المطالب والإشكالات السياسية والحقوقية التي احتفى بها الفكر الإسلامي وسعى إلى تحرير محل النزاع فيها وتنقيتها مما علق بها من فهوم خاطئة وتصورات مسبقة أرادت تشويه نصاعة الإسلام وسعةَ شريعته ومرونةَ أحكامه.

وإن تصورنا لمفهوم الحرية يقوم على مبادئ ثابتة وأُسُس متينة تستلهم الإسلام في نظرته الشمولية المتكاملة إلى الإنسان، وتُؤسِّس على تراث الإنسانية المشترك.

فهي تقوم على إيماننا بكرامة الإنسان، الذي خلقه الله حر الإرادة والاختيار قال الله تعالى:

(لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ
بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٢٥٦)  ـ [البقرة]. وروي عن عمر الفاروق رضي الله عنه أنه قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". كما اصطفاه وكرمه ليكون خليفة في الأرض ، فكان من مقتضيات هذا التكليف أن اختصه بفضائل وامتيازات حَرَمَها غيرَه من المخلوقات، واعتبره أكرم الكائنات (۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا ٧٠) ـ [الإسراء].

وعلى هذا الأساس فقد أحيط مبدأ التكريم الإلهي بقواعد وضمانات تكفل للإنسان حرياته العامة والفردية، وتجرم الاعتداء على النفس البشرية وحرمانها حقها في الحياة، وتجعل من المحافظة على حياة الإنسان ودينه وبدنِه وعقله ومالِه ـ وهي المقاصد الكلية ـ أمرا مقدساً لا يجوز المساس به. 

لقد كان تشوف الإسلام للحرية وتنسمه للانعتاق والكرامة الإنسانية بارزاً إذ اعتبرها في أعمق معانيها مرادفة للحياة، (وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَ‍ٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ ..) ـ [النساء 92]، "فالذي يخرج نفسا مؤمنة بالخطأ من جملة الأحياء يلزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها".

لذا لم يتوان في تصدر معركة التحرير في العالم، وهو الهدف الذي نجح في تحقيقه على أكمل وجه ودون ردات فعل تذكر.

على هذه الأرضية نقف ومنها ننطلق في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية في موقفنا من الممارسات الاسترقاقية الظالمة التي عمت مختلف مكوناتنا الوطنية، وهي رؤية تتأسس على نظر إسلامي أصيل يعتبر أن الشارعَ يتشوف للحرية وأن الشريعة أغلقت أبواب الاسترقاق ورغّبت في أسباب العتق ومخارجه حتى وصلت عتقَ الهازل وأنها وضعت من الموجهات والأحكام ما ينتهي إلى القضاء على هذه الظاهرة، تعزّز ذلك بتاريخ الاسترقاق في هذه البلاد الذي خالف الشرع في مصادره وخالفه في ممارساته وتطبيقاته ..

إن تلك الممارسات الاسترقاقية، وإن تراجعت عما كانت عليه من قبل بيد أن بقايا ممارساتها وآثارها ومخلفاتها ما زالت تشكل مأساة حقيقية؛ تعاني بسببها شريحة لحراطين بصفة خاصة فقرا وجهلا وتهميشا وحرمانا وعدم تكافؤ في الفرص مع أفراد المكونات الأخرى؛ مع أن هذه الشريحة تمثل نسبة معتبرة داخل الشعب الموريتاني من ناحية الكثافة العددية.

 و إلى جانب المعاناة المادية الظاهرة لم يتوقف بعد شلال المعاناة المعنوية خصوصا في ظل ثقافة تقليدية تجد لها تأسيسا في بعض الفهم الفقهي التقليدي الذي يحرمهم من حقوق الملكية والميراث.

 

4- العــدل:

إرساء العدل بين الناس وتحريم الظلم من أهم مقاصد الإسلام وأهدافه العليا، فلم تعرف البشرية جمعاء دعوة إلى العدل كما عرفتها في الإسلام، فقد دعا الحق سبحانه وتعالى المسلمين إليه وأمرهم بالتزامه والاحتكام إليه في كل أمر من أمورهم وفي كل شأن من شؤونهم، في الأحكام والأقوال والأفعال والأخلاق، قال الله عز وجل: (۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا ٥٨) ـ [النساء].

وتوعدت السنة أهل البغي بسوء العاقبة " فقد روى البخاري ومسلم من حديث معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "ما من عبدٍ يسترْعِيهِ اللهُ عزّ وجلّ رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة"، وفي رواية: "فلم يُحِطْها بنصحه لم يرح رائحة الجنة".

لقد كان الرعيل الأول الذي قاد المسلمين وتولى حكمهم من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ مثلاً رائعاً وجيلاً قرآنياً متفرداً في التزامه العدلَ وسيره على هديه صلى الله عليه وسلم لم يستثنوا من تطبيقهم العدالة في المجتمع قوياً لقوته أو ذا رحمٍ لقرابته،  "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" الحديث. وإنما بلغ بهم الأمر أن أصبحوا موازين قسط وأوعية عدل فعطروا تاريخ العدل بخالد الذكر وماجد الأثر.

والأمة التي تطمح أن تبني نفسها وأن تدعمَ وجودها وأن ينعم أهلها بالأمن والاستقرار لا بد أن تقيم حياتها على الحق دون الباطل وعلى العدل دون الجور، وعلى الحيدة والتجرد دون الممالأة والتحيز، وأوجب ما يجب أن يلتزم فيه ذلك هو ما يمس حياة الناس ومشكلاتهم من قريب وما يتصل بحقوقهم وواجباتهم وما يشجر بينهم من تنازع أو خلاف.

وهذا المرتكز لا يأخذ اهميته فقط من مكانته في نظام الحكم الإسلامي كما تقدم وحسب و إنما من الحاجة الكبيرة إليه في واقعنا العملي فالدولة الموريتانية التي أسست علي غير مثال سابق عرفت السيبة والطبقية والعبودية والفئوية من مجتمعات ما قبل الدولة مما أحدث حالة من انتشار المظالم تهدد الكيان الوطني في وجوده ومرتكزات بنائه ومما زاد من خطورة الحالة وحدتها أن  أنظمة الحكم المتعاقبة التي كان التعويل عليها  كبيرا في التخلص  ولو بتدرج من إرث المظالم السابقة تحولت في أغلب الأحيان إلى معيد لإنتاج تلك المظالم وحام لها إضافة إلى فشو مظاهر الفساد والتلاعب والغبن والتفاوت الجائر بين الطبقات الاجتماعية.

إن الأمة التي لا يقدس فيها الحق ولا يحترم فيها الواجب ولا يحكم فيها بالعدل ولا ينصف فيها المظلوم؛ هي أمة مهددة في وجودها وكيانها كمن يقف على شفير الهاوية، ذلك أن العدل هو  باب السلام في المجتمع وعماد الأمن والاستقرار، ومن هنا كان سعينا الجاد إلى إقامة دولة العدل  التي تنتصر للمستضعفين وتقيم مجتمع المتـقين المقسطين على سنن المصلحين شعارها قول الحق سبحانه وتعالى: (.. وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٤٢) ـ [المائدة].

5 التعدد والتنوع:

امتازت هذه البلاد المباركة بتنوع وتعدد ساكنتها مزيجا بشريا تداخلت فيه الثقافات من سلالات متعددة أفريقية وعربية  وبربرية وانصهرت كل تلك الثقافات في بوتقة الإسلام وتخمرت بعجينة الدين الواحد والمذهب الواحد والانتماء للوطن الواحد، وشكلت بذلك لوحة مجتمعية متنوعة اللغات والألوان والأعراق، ونحن في حزب التجمع الوطني للإصلاح التنمية (تواصل) نعتز بالتعدد اللغوي والتنوع العرقي والثقافي  ونعتبره عامل قوة ونعتقد أن تحقيق الأخوة الإسلامية والوحدة الوطنية بين مكونات هذا الشعب (البيظانية والحرطانية والبولارية والسوننكية والولفية) أولوية الأولويات وندرك أن تحقيق ذلك يتطلب التعارف والاعتراف ويتعزز بالمساواة في الفرص والحقوق والواجبات ويصان برفع المظالم ودفعها، ورفض العنصرية ممارسة وخطابا، وتشجيع سبل التداخل والتعايش والتناصح.

6- الخيار الديمقراطي:

عني الاســلام بقضية الحكم واهتم بها حيث جعل من الشورى مرتكزَ نظامه السياسي، وألزم الجمــــيع حاكما ومحكوما بممارستها قال تعالى: (.. وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ ١٥٩) ـ [آل عمران]، وقال تعالى: (وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ
وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ٣٨) ـ [الشورى]، وقال تعالى: (.. فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ ..) ـ [الشورى 233].

فالشورى في الإسلام منهج في الحياة وطريقة في الحكم وفلسفة شاملة. والشورى في فهمنا فريضة ملزمة ابتداء وانتهاء لا تترك لرغبة الحاكم وتقديره الشخصي.

فنحن في حزب التجمع الوطني للإصلاح (تواصل) نعتبر الديمقراطية أفضل النظم المعاصرة في تحقيق الحرية والتداول السلمي على السلطة وهي تمثل تطبيقا لمبدأ الشورى. وانطلاقا من ذلك فإننا نسعى إلى ممارستها عمليا داخل مؤسساتنا الحزبية والالتزام بنتائجها في الشراكة السياسية والمشاركة الانتخابية، وهي بذلك عندنا أساس للحكم وخيار استراتيجي لا موقفا تكتيكيا تمليه مصالح آنية أو إكراهات عابرة.

7- المساواة:

وفيها ننطلق من تساوي البشر جميعا في الحقوق الإنسانية فالناس كلهم لآدم وآد من تراب لا تمايز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو المهنة أو الثروة أو المكانة.

والمرأة في الإسلام مخاطبة كالرجل بالإيمان والإسلام والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكل واحد منهما حقوق وواجبات متناسبة قال الله تعالى: (.. لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡ‍َٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ ..) ـ [النساء 32]، والأكرم عند الله الأتقى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ ..) ـ [الحجرات 13].

وقد أثبت الإسلام للمرأة أهليتَها السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى جانب أهليتها التكليفية غير أن النظرة إليها ما تزال مشوبة بالكثير من الرواسب الاجتماعية الموروثة، أعرافا وتقاليد أُلبست لبوسا دينيا لتصبح عائقا في وجه محاولات تعليم المرأة ومشاركتها الكاملة في مجالات القيادة والتأثير.

 

الرؤية في معالمها

تنزيلا للمبادئ والمنطلقات الحاكمة وسعيا لمزيد من الوضوح والتحديد في قضايا فكرية ووطنية جوهرية يرسم حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) معالم رؤيته المرجعية في:

1- الوحدة الوطنية:

يطرح موضوع الوحدة الوطنية جملة من الإشكالات؛ مشكل التعايش بين القوميات وإشكال الاسترقاق ومسألة الفئات الاجتماعية داخل كل مكون من المكونات الوطنية وقضية الجهات والمناطق والحاجة إلى التوازن في الاهتمام والعناية والحظوظ في التنمية.

إننا في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) نعتبر أن الخبرة التاريخية الإسلامية في عصورها الزاهية قد جسدت تلك الوحدة في أسمى معانيها وأوضح تجلياتها، وأقامت مجتمعاً متنوعا وجدت فيه كل الشعوب مكانتها وكانت نماذج المؤاخاة الراقية التي جمعت حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وبلال بن رباح وخباب بن الأرت وخالد بن رويحة الخثغمي وأبا بكر الصديق وخارجة بن زيد عهداً جديدا غيّرَ قواعد الانتماء ومعايير التفاضل.

 

2- الهوية:

يعتز التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) بهويته الوطنية التي هي نتاج تفاعل عضوي وانصهارٍ تاريخي وتلاقحٍ حضاري عميق بين مكوناتها الرئيسية التي ظل الإسلام أساسا حاكما عليها بوصفه مرجعية عليا فوق ما سواه. فيما شَكلت لغةُ القرءان إضافة إلى اللغات الوطنية - البولارية والسوننكية والولفية - بقيةَ  مكونات تلك الهوية التي انطبعت بصماتُها واضحة في الملامح العامة لشعبنا.

وتتمثل أسس الهوية في:

أولا: الإسلام جامعا: وهو المكوِّن الأساسي للهوية الوطنية الذي وحَّد شعبَنا وانصهرت في بوتقته مختلف الأعراق والفئات والقبائل، فكان عاملَ وحدة وتجانس وألفة شكل الأساسَ الركين للتعايش بين مكوناتنا الوطنية.

ثانيا: اللغة العربية: وهي المكون الثاني من مكونات الهويــة عندنا حيث اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون وعاء مباركا للرسالة الخاتِمَة، ولسانا مبيِّنا للذكر الحكيم، ( إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٢) ـ [يوسف].

هذا المكون المهم من مكونات هويتنا يتعرض منذ بعض الوقت لهجمة مشبوهة تستهدف اقتلاعه من الجذور ومحوَه من الوجود، والربطَ المستمر بينه وبين التردي والانهيار في الأوضاع التربوية بالبلدان الإسلامية التي تعتمد في منظوماتها التعليمية على لغة القرآن.

إن إعادة لغة القرءان لموقعها الطبيعي يتطلب جهودا حثيثة تقدمها للمجتمع بطريقة إسلامية أصيلة لا فرض فيها ولا إلغاء.

ثالثا: اللغات الوطنية: ومن مكونات الهوية عندنا اللغات الوطنية وهي (البولارية، السونونكية، والولفية)، وهي لغات إسلامية ووطنية أصيلة تمثل أوعية لثقافات وحضارات إسلامية عميقة الجذور هنا، وقد أسهم أبناؤها في تطوير الثقافة الإسلامية في البلد، وهي حاضنة أمين للثقافة الإسلامية المتجذرة في نسيجنا الاجتماعي، وهي إضافة إلى كل  ذلك تمثل بعدا ثقافيا متفردا يعزِّز الانسجامَ والتكامل بين مختلف مكونات هويتنا.

وتعاني هذه اللغات من تغييب وتهميش كبير في التعليم والاعلام والإدارة والثقافة والمعرفة، ما جعل المتحدثين بها من أبناء وطننا الموريتاني يعيشون غربة في وطنهم، مما يفرض جهدا وطنيا نسعى في تواصل لأن نشارك فيه من موقع الريادة تطويرا للغاتنا الوطنية وعملا على ترسيمها وعلى أن تأخذ مكان الشراكة الحقيقية في الفضاء العام بمختلف مستوياته

وتأسيسا على المقاربة الاسلامية التي تعتبر اللغات كلها آيات من آيات الله (وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ ..) ـ [الروم 22]، وانسجاما مع عالمية الرسالة الاسلامية (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا ..) ـ [سبأ 28]، وحرصا على الوفاء بمقتضيات أخوة الدين والوطن، ننفتح على اللغات الحية ومنها الفرنسية ونرى أن تحفظ للمتعلمين باللغتين العربية والفرنسية حقوقهم الكاملة، ونسعى لتوظيف التعددية اللغوية في تعميق قيم التواصل ونشر المحبة والأخوة.

3 - محاربة الاستبداد:

الاستبداد على اختلاف صوره وأشكاله وتعدد مظاهره وشعاراته، ظاهرة مقيتة نشأت وتراكمت في التاريخ الإسلامي بشكل مبكر عقب نهاية الخلافة الراشدة مع تحول الحكم العضوض إلى نظام الحكم الجبري الذي لا يزال يلقي بظلاله إلى وقتنا الحاضر جاثما على الصدور، فتحولت شعوب الأمة بسببه إلى مجتمعات معطلة سياسيا وفقيرة اقتصاديا وممزقة اجتماعيا ومحبطة فكريا.

وهو ما يعني في المحصلة النهائية تعطل الطاقة الحركية الداخلية لتلك الشعوب ومن ثم شلل القدرة على الابتكار والبناء الذاتي وبالتالي السقوط في مهاوي التخلف الحضاري والتبعية للغير، فالاستيلاء والتغلب هو الفعل المؤسس للاستبداد دون تفويض من سلطان المجتمع حيث يحرف مسار العلاقة الطبيعية بين الحاكم والمحكوم من علاقة عِقْـد اجتماعي تقوم في مبناها على الرضى والقبول إلى علاقة سيطرة وإذعان لطرف على حساب آخر، فتتحول من علاقة تحكمها قوة الحق إلى تبعية يتحكم بها منطق القوة واحتكارها.

إن حكم الاستبداد والديكتاتورية بطبعه يُلحِق أضرارا مباشرة بالوطن؛ حريته وتنميته، وهو على تناقض بنيوي مع المشاريع الرسالية الشورية الخادمة للناس.

ونرى في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) أن العمل من أجل ترسيخ الممارسة الديمقراطية عامل أساسي لمحاربة الاستبداد وحصاد حكمه لهذه البلاد على مدى يقارب أربعة عقود ماضية.

4- الإصلاح

الإصلاح مقصد الرسالات السماوية ومهمة الرسل ـ عليهم السلام ـ من لدن نوح-عليه السلام إلى محمد ـ صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (.. إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ ٨٨) ـ [هود].

إن عواقب القعود عن الإصلاح والركون إلى الإفساد وعدم الأخذ على أيد الظالمين مدمرة ماحقة على الفرد والمجتمع، حيث تصيب بشررها الصالح والطالح، (وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ
مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٢٥) ـ [الأنفال].

والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية يؤمن إيماناً راسخاً بأن الإصلاح هو قوام بقاء المجتمع ودليل خيريته وضمان استقراره واستمرار نمائه وفاعليته الاجتماعية، وهو شرط التمكين ووراثة الأرض، (وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ ١٠٥) ـ [الأنبياء].

ومفهوم الإصلاح الشامل عندنا يعني الاسهام في إعادة التشكيل للمفاصل الأساسية بدءاً بصياغة الفرد الصالح وانتهاء ببناء الدولة التي تسير على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الدين وسياسة الدنيا به خدمة للمجتمع في مختلف المجالات والمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والقضائية.

ومن هنا فإن التجمع الوطني للإصلاح والتنمية يرى لزاما عليه أن يسعى إلى محاربة المنكر السياسي وتقليله والدعوة إلى المعروف السياسي وتكثيره.

5- المشاركة السياسية

يحتاج العمل السياسي إلى مسار متراكم من الفعل والتدافع والصبر، ويمر التمكين السياسي بمسار من المشاركة في العملية السياسية بمستوياتها المختلفة، واعتماد المشاركة السياسية خيار يراهن على التراكم وعلى تنمية الوعي بالحقوق والنضال من أجلها فهي البوابة الفعلية للتغيير والعمل السياسي،" فالسياسة نوعان سياسة ظالمة الشريعة تحرمها وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر فهي من الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها"، وهو نضال مطلوب لا يتأتي من دون الولوج إلي معترك الواقع وتقديم نماذج عملية وتجارب ناضجة من المشاركة القادرة علي التفاعل الإيجابي مع واقعها و التأثير فيه دون التأثر به. 

ولا تعني المشاركة السياسية بالضرورة، المشاركة في الانتخابات فالمشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها خيارات ممكنة ضمن نهج المشاركة السياسية وفق ضوابط وتقديرات محكومة بالمنطلقات ومؤسسة على المرتكزات ومستوعبة للواقع ومتطلباته.

6- الشراكة مع الأخر

تقتضي العملية السياسية بطبيعتها، والديمقراطية في استحقاقاتها الاعتراف بالآخر المشارك في العملية السياسية والمنافس في العملية الديمقراطية، وتفرض طبيعة التحديات التي تقف في وجه التحول الديمقراطي والبناء الوطني، وفي وجه إقامة العدل وتحقيق الوحدة الوطنية اعتماد الشراكة السياسية مرتكزا أساسيا ومنهج عمل ذا أولوية.

  إن شركاء الوطن  - بغض النظر عن الموقف والموقع – هم شركاء سياسيون ولابد من  المحافظة على جسور تواصل فكري وسياسي معهم ما وسعنا ذلك، ويبقى تفعيل وتطوير العلاقة مع هذا الفريق أو ذاك من مرحلة مقتضيات الشراكة في الوطن إلى استحقاقات الشراكة في الخندق السياسي رهين تقدير مرحلي خاضع بكل تأكيد للرؤية في منطلقاتها ومرتكزاتها ومخرجاتها.

ولا نقتصر في نهج الشراكة ومقاربة الانفتاح على شركاء الوطن بل نعتبرها سياسة لا نستثني منها الآخرين مسلمين وغير مسلمين إلا من استثنى نفسه، فتخندق في موقف وموقع العدوان علينا، صادرين في هذه المقاربة عن النص القرآني العظيم (لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨) ـ [الممتحنة].

 

7- التنمية الشاملة

يكتسب النشط الاقتصادي في الإسلام طابعاً تعبدياً، إذ التعبد بمعناه الواسع يتضمن كل تصرفات الفرد المسلم وعلى رأسها عمارة الأرض التي اعتبرها الإسلام هدفا ساميا قال الله تعالى: (.. هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا ..) ـ [هود ـ 61].

وذلك تحقيقاً للحياة الطيبة للمجتمع ولتمام الرشد في استغلال الموارد والكفاية في الإنتاج والعدالة في التوزيع، وتمكيناً لهذا المقصد الرباني العظيم سخر الله الكون للإنسان وهيأ له أسباب الإعمار ومكنه من أدواته ووسائله، (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ ..) ـ [الجاثية ـ 13]، (وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَۗ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ١٠)
 ـ [الأعراف]، وبموازاة ذلك وضع الإٍسلام ضوابط مُحكمة لممارسة النشاط الاقتصادي، فحرم الربا وأعلن حربا على المرابيين، قال الله تعالى: (يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ ..) ـ [البقرة 276]، وقال في الآية الأخرى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ ..) ـ [البقرة 278]، وجعل من المنافسة العادلة والحرية المقيدة بإنتاج الطيبات موجها ناظماً للسوق إلى جانب حرية التملك واعتماد العمليات المالية على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة كما حث أتباعه على تطهير السوق من المنكرات الاقتصادية الأخرى كالاحتكار والغش والاكتناز وغيرها مما يؤثر على توازن مؤشرات الاقتصاد ومكونات المجتمع من أغنياء وفقراء، ودعا الميسورين إلى البذل ورغّبهم في الإنفاق والصدقات توطيداً لعرى التكافل الاجتماعي وقضاءً على أسباب التفاوت الفاحش في مستويات المعيشة والدخول، ولم يَكِلْ هذا البعد الاقتصادي الاجتماعي المهم لرغبات الميسورين وأمزجتهم، بل فرض الزكاة لصالح ذوي الدخل المحدود باعتبارها مصدراً أساسياً للتمويل ونظاماً محكما للتأمين والضمان الاجتماعي في الإسلام وأداة من أدوات الحث على الإنتاج وتوزيع الثروة وتداولها بين أفراد المجتمع .

ولم يغفل الإسلام ما للدولة من دور مهم بوصفها الموجه والمخطط والمكمل والمسؤول عن توفير وتنمية البنى الأساسية والمرافق العامة والمشروعات الإستراتيجية وخاصة تلك التي يحجم القطاع الخاص عن الولوج إليها، إضافة إلى معالجة الأزمات وإعادة التوازن إلى الاختلالات الاقتصادية ومحاربة الفوارق التنموية بين الأقاليم المختلفة للدولة "يا ويح عمر لو عثرت بغلة بالعراق لسُئل عنها عمر لِمَ لمْ تمهّد لها الطريق".

إننا في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) نعتقد أن تحقيق التنمية المتوازنة والاقلاع الاقتصادي الذي يؤسس لمجتمع الرفاه (قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ  ..) ـ [الأعراف 32] مرهون بانبثاق السياسة الاقتصادية الوطنية من مفاهيم الإسلام وتصوراته في هذا المجال، فقد وضع الأسس الكفيلة بتنظيم الحياة الاقتصادية وضمان ازدهارها ورفاهيتها، فتميز عن المذاهب الاقتصادية الوضعية بأنه شامل ومنضبط ومتوازن ينظر إلى جميع الجوانب الإنسانية ويؤخذ في اعتباره كافة الحاجات البشرية اقتصادية كانت أم اجتماعية في إطار تنموي شمولي وسيلته وغايته في آن هو الإنسان نفسه موفقاً بينها جميعاً بما يحقق الصالح العام.

8- عمق الأمة

في وقت أخذت فيه أمم الأرض وشعوبُها بالتكتل والاندماج سياسيا واقتصاديا وعسكريا، بقيت أمة الإسلام أسيرةَ واقعها المتردي على مختلف الأصعدة، رغم ما تمتلكه من إمكانات ومقومات مادية وروحية ترشحها في المستقبل المنظور لتكون قطبا معادلا يعيد للسياسة الدولية التوازن والاستقرار المفقودين جراء الأحادية القطبية والاستفراد بالقرار الدولي من قبل قوى الاستكبار العالمية والتي نجحت إلى حد كبير في استغلال وتوظيف مؤسسات المجتمع الدولي، بما يؤمِّن بالدرجة الأولى خدمة مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب الحقوق والمصالح الحيوية للشعوب المظلومة المستضعفة.

وإزاء هذا الوضع العالمي المختل، بات لزاما على الأمة الارتقاءَ إلى مستوى التحديات الحضارية التي يفرضها الظرف والتعاطي بجد وإيجابية مع التطلعات المشروعة للشعوب المسلمة في الوحدة والتكامل الاقتصادي، حيث جمعت آصرة الدين ووحدة التاريخ المشترك تلك الشعوب وصهرتها عبر مسيرتها الطويلة (إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ ٩٢) ـ [الأنبياء].

ومع أن الساحة الإسلامية قد عرفت محاولات للوحدة إلا أن نجاح هذه المحاولات يحتاج إلى وضوح الرؤية والأهداف ودقة التخطيط والإعداد وإلى الجدية والإرادة الحقيقية لتحقيقها واستحضار البعد الإسلامي مقوما من مقومات أي مشروع وحدوي يراد له أن يكون النواة الصلبة لمشروع الوحدة الشاملة.

ونحن في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، نعتبر استعادة الأمة لوحدتها ولحمتها مطلبا أصيلا من مطالبنا وهدفا كبيرا من أهدافها، ونعتبره كذلك فريضة شرعية إلى جانب كونه ضرورة استراتيجية وسياسية واقتصادية تستوجب من الجميع إعداد الطاقات وتربية الأجيال وتأهيلها وتهيئة أسباب القوة الضرورية لذلك.

وفي مسعانا ذاك نؤمن بضرورة التدرج والمرحلية، ونُثمِّن كل جهد إقليمي أو قاري يُبذَلُ في هذا الإطار ونعتبره لبنة مهمة وخطوة ضرورية على طريق تحقيق الوحدة الشاملة، وندعم القضايا العادلة في العالم ونرى أن ذلك من مقتضيات ومركزية العدل الذي هو منطلق أساسي من منطلقاتنا.

9- تحرير فلسطين

فلسطين مهبط الديانات ومنبع الحضارات، بها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم، فتحها الصحابة بعدما عطروا أديمها بدمائهم الطاهرة، واسترجعها من بعد الاحتلال الناصر صلاح الدين الأيوبي ليجعل منها وقفا عاما لجميع المسلمين، وهي الأرض المقدسة والبقعة المباركة (يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ ٢١) ـ [المائدة 21].

هذه الأرض المحرمة سطت عليها يد الحركة الصهيونية مدعومة بالصهيونية العالمية في التمكين لزراعة الكيان الغريب في جسد الأمة المثخن بالجراحات والآلام.

إننا في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) نعتبر الاسهام في تحرير فلسطين من دنس الصهاينة الغاصبين من أولوياتنا؛ فهي جزء لا يتجزأ من تشكيل وجدان كل مسلم ومسلماته العقدية ومن ماضي ذاكرته الجمعية ومن كينونة حاضره وبناء مستقبله، ونحن إذ نستحضر الألم والأسى الذي حاق بالأمة جراء التفريط في قضيتها الأولى فإننا نستجمع القوى ونستـنهض الهمم لانتزاع الحقوق وعودة المبعدين في شتات الأرض لدفء وطنهم الأم الذي حُرموا منه منذ فاجعة النكبة.

وهي المسؤولية الكبرى التي يجب أن يتحمل تبعاتها الجميع حكاماً ومحكومين بذلا للجهد واستفراغاً لأسباب الوسع مادية كانت أم معنوية لتحرير المقدسات ودعم قوى المقاومة للاحتلال الغاشم، فالفاتحون سلموا راية فلسطين خفاقة فلنسلمها للأجيال من بعدنا مرتفعة عالية الهامة مصونة العرض والكرامة من دون التفريط في ذرة من ترابها أو حق من حقوق أهلها.

 

الخلاصة:

تأسيسا على تلك الكليات واعتبارا بواقعنا نـُجمل رؤيتنا الحاكمة في  إقامة مشروع سياسي إسلامي المرجعية ديمقراطي الاختيار وطني التوجهات يعطي الأولوية لإنهاء الاستبداد وإقامة العدل بين المكونات وتحقيق الوحدة الوطنية مؤمن بالشراكة السياسية مرن ومنفتح في علاقاته ، يتحلى بالتدرج ويحرص علي التراكم يتبنى المشاركة السياسية لتحقيق أهدافه و التشارك مع أبناء الوطن الواحد فيما يجمع من المشتركات يسعى للتصدر السياسي امتلاكا للتصور النظري وتأهيلا للكادر البشري وتموقعا في الحاضنة الاجتماعية العابرة للانقسامات المجتمعية.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات