السادة و السيدات
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
مرحبا بكم جميعا و شرفتم جميعا في هذا الإفطار السنوي العام الذي أصبح عادة معروفة و سنة محمودة إن شاء الله، ينظمه التجمع الوطني للإصلاح و التنمية "تواصل" ملتقى أخويا جامعا و فضاء تواصليا لا يقيده اتفاق في خط أو التقاء على موقف، فنحن فيه - كما عودنا أهلنا و أبناء وطننا- ندعو الجميع.
ندعو حلفاء تجمعنا معهم اعتبارات الموقف و الواقع .. ندعو أصدقاء نلتقي معهم في التوجه و الموقف و إن لم يجمعنا حلف أو إطار.. ندعو شركاء وطن تسعنا و إياهم خيمة الوطن الجامعة و لا نقبل ان يؤدي اختلاف المواقع و تباين -وأحيانا تباعد- المواقف إلى تدابر و قطيعة.. و أكثر من ذلك ندعو من خارج الحقل الحزبي و السياسي، فندعو الأئمة و الأكادميين و الصحفيين و عموم المهتمين.. يحدونا الأمل أن يكون لقاء رمضانيا لا تكدره الحدية و لا تنغص عليه منغصات الحدث السياسي السائر....
إن لهذا الشهر (رمضان) مكانة عظيمة و لهذه العبادة (الصيام) منزلة كبيرة و يهمنا هنا الإشارة إلى أثرها على السلوك و القيم و الممارسة خلافا للشائع عند البعض (مجرد إمساك عن الطعام و الشراب)
فحديث الصحيحين مشهور معروف: " الصيام جنة فلا يرفث و لا يجهل و إن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين."
قال عمر بن الخطاب: ليس الصيام من الطعام و الشراب وحده، لكنه من الكذب و الباطل و اللغو و الخلف.
و حديث البخاري صريح صارم:
" من لم يدع قول الزور و العمل به، فلا حاجة لله في أن يدع طعامه و شرابه"
الصوم بركة و خير وصحة و أمان، ورحم الله بهاء الدين الأميري إذ يقول:
قالوا سيتعبك الصيام.. و أنت في السبعين مضنى
فأجبت بل سيشد من.. عزمي و يحبو القلب أمنا
ذكرا و صبرا و امتثالا .. للذي أغنى و أقنى
و يمدني روحا و جسما .. بالقوى معنى و مبنى
رمضان عافية فصمه.. تقى لتحيا مطمئنا
و دائما كما تعلمون نتخذ من ذكرى بدر الكبرى موعدا لهذا الإفطار السنوي.. فهذه المعركة كانت حدثا فاصلا في تاريخ الإسلام انتصرت فيها قوة الإيمان و إرادة الخير على الكفر و الباطل و الطغيان، و الظلم في الأرض... و بدر الكبرى كانت حدثا فاصلا بين مرحلتين و حالتين و فتحت بابا لكسر شوكة الظالمين و المشركين، لتنفتح آفاق للدعوة و الدين أثمرت تحولا كبيرا في حياة البشرية لينتشر الإسلام دينا للخير و السلام و العافية.
هذا الإسلام الذي يتعرض في زماننا لحيف و نيل و تشويه يتعاون عليه الغزاة والطغاة و الغلاة.
الدائرة الأولى تستهدف و تعادي و تتآمر والدائرة الثانية تظلم و تجور و تستبد و الدائرة الثالثة تشوه و تدمر و تؤذي.
و هم يتخادمون و كل للآخر يسير أسباب التمدد و التغول و التحكم.. و الضحية أمة مسلوبة مظلومة يعتدى عليها و على قيمتها و مصالحها و صورتها و سمعتها..
"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين"
بالمقاومة والجهاد يواجه الغزاة، و بالحرية و الديمقراطية يواجه الطغاة ، و بالاعتدال والوسطية يواجه الغلاة.
لسنا بحاجة لتذكيركم بشأن السياسة و تطوراتها و موقفنا في "تواصل" منها... خصوصا أنكم تابعتم و عرفتم رأينا في التعديلات المقترحة على الدستور ، في مصدرها و في مسارها و في مضمونها وفي كلفتها و في أثرها على الانسجام الوطني عامة و السياسي منه خاصة.. و لكننا نذكر و نجدد التذكير أنه في مثل هذا النوع من البلدان، و في مثل هذه المرحلة من المراحل، و بالنظر لحالنا و للحال من حولنا لا يصلح إلا ما كان عن توافق و حوار و تلاق جامع لا جزئي شامل لا محدود، و كل مسار يجانب ذلك لا توصف عواقبه لا بالمحمودة و لا بالمقبولة.
لقد عرفنا في الأمس القريب تطورات مقلقة و شاهدنا مؤشرات ملفتة تتطلب وقفة نظر و تدبر .. فالوحدة و الاستقرار - و هما مطلبان لازمان- بلا مستقبل إذا لم يتأسسا على العدل و الانصاف و المساواة ، و إعطاء كل ذي حق حقه، فلا خير في وحدة تكرس الظلم و لا خير في دعوة مساواة تؤدي إلى الفرقة و الشقاق، و المعادلة تتكامل و لا تتفاضل..
إننا نحتاج للصراحة و الوضوح فنحن نريد موريتانيا موحدة مستقرة، تسودها الألفة و الأخوة و التعايش الحسن.. و لكننا نريدها أيضا موريتانيا المواطنة الكاملة لا عنصرية فيها ولا استرقاق فيها ولا تهميش فيها و لا تمييز فيها.....
لقد أوضحنا موقفنا من قطع العلاقة مع قطر و أوضحنا أهمية السعي بين الأهل في الخليج بالحكمة و العقل و التصالح.. و لكن نقطة أثيرت في هذا الجدل تتطلب تعليقا، إنها وصف البعض للمقاومة في فلسطين، لحركة المقاومة الإسلامية حماس بالإرهاب..
لقد طفح الكيل و بلغ التحدي مبلغه أن يوصف المجاهدون في فلسطين، أن توصف أنبل ظاهرة في واقع المسلمين اليوم بالإرهاب.
فلسطين آية من آيات الكتاب من تركها فقد ترك الكتاب و من لا حظ له منها لا حظ له من الكتاب... القرب من مقاومتها فضيلة و دعم مقاومتها محمدة و إغاثة أهلها خير و بركة.
أما التآمر عليها فخطيئة، و لمزها و اتهامها منكر، و البراءة منها ضعف و خذلان.
بارك الله لكم في شهر الصيام و أعانكم على صيامه و قيامه و كان مناسبة لتذكر الفقراء و المحتاجين ممن لا حيلة لهم ولا زاد، و لنتذكر خصوصية هذه العبادة: في البخاري و مسلم يقول الله عز وجل: الصوم لي و أنا أجزي به، قال الحافظ بن حجر رحمه الله: سبب الإضافة إلى الله، أن الصيام لم يعبد به غير الله.
مرحبا بكم و شكرا لكم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته