للإصلاح كلمة تتعلق ببعض ثوابت الدستور الموءودة في الحوار/ بقلم الأستاذ: محمدو بن البار

خميس, 10/11/2016 - 15:07

كلمة الإصلاح هذه المرة تريد أن تواصل نقاشها مع الموريتانيين العازمين على وأد بعض ثوابت الدستور التي عاشت بينـنا عدة عقود ونحن نعظمها ونقف إجلالا لها لما رأينا فيها بأعينـنا من خصائص ومميزات الإسلام الذي يعـتـنقه جميع شعبنا المسلم ولله الحمد اعـتـناقا ليس وراثيا فقط ولكنه اعـتـناق قـناعة مباشرة تلامس بشاشتها شغاف كل فرد منا بلغ سن التفكير سواء كان انتماؤه أو لونه أو جهته لأي جهة من الوطن.

 

وهذه الثوابت كان أوائلنا الذين أخذوا الحكم من الاستعمار قد اتـفقوا على جعلها من المقدسات الوطنية التي لا يتطرق إليها اختلاف ولا تصل إليها يد مغـيـر مثـل جعل الدين الإسلامي هو مصدر التـشريع ومثـل الوحدة الوطنية الخ ذلك من الثوابت التي كان رأسها اختيار العلم والنـشيد الوطني كجزء من مقومات هذا الشعب الذي لم تهزه من قـبـل ولم تزحزحه جميع الموجات والذبذبات التي تحاول أن تهـز أو تـشوش تـلك العقيدة الراسخة التي كانت تسقى من طرف جميع الأوائل بماء الطيبوبة ونكران الذات والاعتراف بالآخر والترحيب بكل شيء يمت إلى العقيدة الإسلامية بصلة، فعـندما اختار أولئـك الأوائل هذين الرمزين وأجمعوا على أنهم جامعين لمشاعـر كل هذه الأمة ويعبران عن عـقيدتها تعـبـيرا عميقا وأصيلا كان على هؤلاء الأبناء المتحاورون أن لا يخـلطوا بين جـيد ورديء في التفـكير ويتأملون تـأملا عميقا خارج هذا الحيز الضيق من الدنيا الذي يعيشون فيه حاليا ويـتـنبهون أنهم مخاطبين بقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتـنظر نفس ما قدمت لغـد وتـقوا الله إن الله خبـير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}.

 

فعلى كل مسلم آمن بهذا الإسلام حقيقة أن يصور نفسه مقبوضا عليه ومحجوزا إجباريا في قفص حتى يقدم للمحاكمة التي لا استـئناف فيها وبعد ذلك إما إلى حياة لا حياة فيها ولا موت وإما إلى روح وريحان وجنة نعيم.

 

فكم من محكوم عليه بالإعدام في الدنيا عـدم قبل من حكم عليه بهذا الإعدام وبعد ذلك يبرأ المعدوم الأول.

 

والغريـب في هذا الإنسان أنه عـندما يسمع هذا النوع من التحليل يضيفه إلى ما يسمى بالوعظ الديني ولكن الوعظ بما يمكن ألا يقع فذلك نوع من التـلبـيس كما هو نوع وعظ ابـليس كما قال لآدم {هل أدلـك على شجرة الخـلد وملك لا يـبلى} وكانت نـتـيجة توجيهيه هذا كما قال تعالى {فدلهما بغرور} الخ الآية.

 

أما الوعظ بما سيـقع لا محالة فهو الذي يقال له الإرشاد وهو الذي يقول فيه المولى عز وجل {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشـد تـثـبـيتا وإذ لآتيـناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستـقيما}.

 

ومن هنا أقول إن إيراد هذه الحقائق بالذات والاستدلال عليها بآيات الله البينات أداه خطورة ما أقـدم عليه أولئـك المحاورون من إطالة لأيديهم وأفـكارهم حتى بلـغت اقـتراح إزاحة هذا العلم والنـشيد الوطنيـين عن حالتهم الحالية التي كان جميع المواطنيـن بمخـتـلف أعراقهم وألوانهم يعظمونها ويقدسونها ويحيونها بقـلوبهم قـبل أن يحيوها برفع أيديهم ووقوفهم استعدادا لحمايتها فعـلينا إذن أن نعود مرة أخرى بعد المقال الأول في الموضوع إلى إعادة إظهار ما في هذين الرمزين من الدلالات الإسلامية التي يعـتـز بها كل مواطن موريتاني.

 

فقد قـدمنا أن العلم يتـكون من أربعة أشياء وكلها لها دلالة عميقة في الإسلام فمن اعتـقدها وهو يحيـيها فكأن الله يخاطبه بقوله تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}، فهو يتـكون من لون أخضر ونجم وهلال واللون الذهبي في الجميع.

 

فاللون الأخضر هو الذي اختاره الله للباس أهل الجنة يقول تعالى {ويـلبسون ثيابا خضرا من سندس} وفي آية أخرى {عاليهم ثياب سندس خضر}.

 

وأما الهلال فهو العلامة الوحيدة التي جعلها الله تاريخا لكل ما هو إسلامي فكـل الأعياد أو الأشهر الحرم التي يحرم فيها القـتـال إلى آخره بتاريخ الأهـلة.

 

أما النجم فيكفي أن الله أقسم به في قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}.

 

أما اللون الذهبي فهو الذي أباح الإسلام للرجال حمله ساعة الجهاد مع بقاء حرمة لبسه على الرجال في غـير الجهاد ومعلوم أن الرايات هي التي يحملها الجنود ساعة القـتـال ليذودوا تحتها عن كل ما هو مقدس وليتـفانـوا في حمايتها وعدم سقوطها لأن سقوطها وعدم رفعها دلالة على الهزيمة، وإن لمعان اللون الذهبي في العلم يساعد حامله على الدفاع عنه إلى آخر لحظة.

 

والذي يدعو للعجب أن المقـتـرح الذي سمعنا أن المحاورين طرحوه لإضافته للعلم هو خطان باللون الأحمر أحدهما أعلاه والآخر في الأسفـل، ومن هنا يقول الشعب الموريتاني لصاحب هذا الاختيار (مانّ فَّالـك) فأهل الدنيا جميعا الآن متـفـقون على أن اللون الأخضر يرمز إلى السلامة وإلى إذن المرور إلى أي اتجاه يشـير إليه كما هو واقع فينا الآن ولله الحمد، وأن اللون الأحمر معناه التوقـف نهائيا عن الحركة وأن الخطر المحدق أمامك أو أنت واقع فيه في الحين عندما يكون الأحمر في آلة سيارة أو طائرة إلى آخره، وهنا يقول الله تعالى لبني إسرائيل {أتستـبـدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} ويقول لهم في موضع آخر {أولـئـك الذين اشـتـروا الضلالة بالهدي فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}.

 

وقـيـل في تـفسيـر اقـتـراح هذا اللون أنه لون دم الشهداء أو أن دم الموريتاني يحرم إراقـته فسوف يقول الموريتاني الآخر للمقـتـرح ماذا تعني بدم الشهداء أو أي شهـداء تعني ويقول في إراقة الدماء من ذا الذي تعـني بإراقة الدماء هل تخاطب الأعداء فالعدو لا يسمع لـكلامك في هذا الصدد وإذا كنـت تعني الدولة فأي فترة منها تعني وإذا كنت تعني الشعب فيما بـينه فهل البغاة لا أتى الله بهم تردهم الألوان والموعظة فإذا لم يهيج فيهم اللون الأحمر الاعـتداء فسوف لا يردهم عن غيهم.

 

وعلى كل حال فكما يقول الأصوليـين فما لاحتمال فيه خير من ما فيه كثـير من الاحتمالات فاللون الأخضر لا احتمال فيه إلا الخير بعكس اللون الأحمر.

 

ومن جهة أخرى فإني اقـتـرح على الجنود الذين سيحيون العلم الجديد إذا صودق عليه "لا قدر الله" أن يحيوه بكـلتا يديهم إذا كان على رأسهم قبعة فاليد اليمنى للعلم الأصلي الذي هو اللون الأخضر والهلال والنجم أما اليسرى فيحيون بها اللون الأحمر الجديد لأن اللون الأحمر يعبر عن الدم والدم نجس كما قال تعالى {إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خـنـزير فإنه رجس} الخ الآية.

 

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أيمانـكم لأطهاركم وأيساركم لأقــذاركم".

 

وإذا كانوا سيحيونه دون القبعة بل بوقفة الاستعداد لجميع الجسد فليرفع الجندي مع ذلك رجله اليسرى إشارة إلى قـذارة اللون الأحمر.

 

أما النشيد فأنا لا أعرف أشخاص المقـترحين لتغيـيـر الأمر بأن يكون المسلم ناصرا لله فلو كنت أعرفهم شخصيا لتفرست في ذواتهم من أين جاءهم هذا الفكر وهو اقـتـراح عدم نصر الله والله يقول {إن تـنصروا الله ينصركم} أو عدم إنكار المنكر والله يقول {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} الخ الآيات ولا يفسر اقـتراح تـغـيـير النشيد إلا قوله تعالى {وإن يروا سبـيـل الرشد لا يتـخذوه سبـيـلا} وآخر الأبـيات هي أيضا معطوفة على نفس الأمر الأول وكن لقوم أحدثوا في دينهم مهاجرا والمطلوب فيه نصرة الله وإنكار المنكر وهو موضوع الأبيات كلها وكن لقوم أحدثوا الخ، فحذف الأبيات، الأخيرة وترك الأبيات الأولى لا معنى لها فيه خيانة لمؤلف الكلمات حيث بترت فكرته المعبرة عن شعوره نحو الجهاد الذي قام ضد المحدثات في الدين الذي يعـتـقده ويدين لله بالرد عنه بالمرتبة الثانية من طلب إنكار المنكر فإن لم يستطيع فبـلسانه، وكان على المحاورين المغيرين أن يتـذكروا أن موريتانيا ولله الحمد عندها مميزات دينية في جميع أفكارها ونشاطها وكان على المحاورين أن يجعلوا هذا النـشيد من مميزات موريتانيا الإسلامية.

 

فالمحاظر مميزات لموريتانيا وكثرة صلاة مسؤوليها في المساجد وتمسك ضباطها بأداء الشعائر الإسلامية في كل الظروف وخصوصيتهم بذلك كل ذلك مميزات، حتى أن (شعراءها) المطربين لا يدخلون في الطرب إلا إذا كرروا لا إله إلا الله كثيرا من المرات ملحنين لها حتى يدخل "آزاي" عمق شعور الآخرين ومع ذلك يبدؤون بـبحر الغناء الذي يسمى "كـر" ويكثرون فيه من شواهده المديحية فهل لا جعل المحاورون المغيرون هذا العلم وهذا النشيد من خصوصيات مميزات موريتانيا الإسلامية.

 

وعلى كل حال فأنا أقول للموريتانيين ولا سيما من جعلهم الله الآن في مكان الكلمة المسموعة أن تـلك الرتبة مؤقتة جدا لا من جهة المعارضة ولا الدستور ولا المأموريات إلى آخره بل بقوله تعالى {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغني عنهم ما كانوا يمتعون} فعلى جميع المقـتـرحين للتغـيـير أن يتيقـنوا أن عمل جميع أهل الدنيا سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين من قول أو فعل أو تـفكير لصالح الإسلام أو لغير صالحه أو عمل المرء في بـيته أو دولته بمعنى كل ما تحركت به شفـتـان أو تحرك به جسمه أو خطر على قـلبه فهو مكتوب عليه وسيقرأه أمام العالم أجمع ويكلمه الله فيه ليس بـينه وبـينه ترجمان كما قال تعالى {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه.." الخ.

 

وعليه فإن الجميع يعلم أن الديمقراطية جاءت إلى العالم بكثير من الغش مقـننا في منهجها وأجبرت الإنسان على أن يتـبناه ويعمل به ألا وهو التصويت على الأشياء مجتمعة وتـلك الأشياء فيها الجيد والرديء وتارة يكون فيها العالم والفاسق مثل اللوائح المشـتركة التصويت على جميع ما في اللائحة إجباريا.

 

ومن المعلوم أن مخرجات الحوار تحمل أشياء اتفق الجميع على إزالتها من الدستور مثـل مجلس الشيوخ وإضافة المؤسسات الإسلامية مع مؤسسة الفـتوى الخ ولكن هناك مواد غير متفق أصلا على إدراجها في المتغـيرات الدستورية بين المتحاورين، أما باقي الشعب الذي سيصوت على الدستور فلا شك أن غالبـيـته إذا صوتت إجباريا على تغـيـير النشيد أو العلم فإنها بمثابة تصويتها على إعدامها.

 

فهذان الرمزان العلم والـنـشيد مولودان مع الاستـقلال وقد ارتبطا رتباطا عضويا مع كل من عايش الاستـقلال وابتهج به واحتـفل به وتغذت به روحه السياسية حتى أصبحت رؤيتهما أو سماعهما بمثابة رؤية عيد الاستـقـلال والسماع لنغمات الحرية أيا كانت تلك النغمات فالمقـترحون لتبديلهما بغيرهما لم يذوقوا حلاوة نشوة الاستـقلال والرموز التي تعبر عن تـلك الساعات الخالدة في ذهن كل موريتاني.

 

وبناء على هذه الحقائق ونيابة عن ثـلاثة ملايـين موريتاني وموريتانية من جميع الشرائح والألوان فنرجو أن يجعل يوم الاستـفـتاء إشارات تخص هذين الرمزين تؤدي أن من قام بهما فإنه لا يوافق على تغـيـيرهما مثـل خط أحمر يجعله المصوت تحت اسمها وبذلك يعد المصوت رافضا لتـغيـيرهما فإن فعلوا ذلك فهذا هو أضعف الإيمان في هذه القضية وإلا فإن هذا الغش وذلك الاقـتـراح سيلاحق أصحابهما لعنة المواطنين كلما رأوا أو سمعوا البديلين "لا قـدر الله" {وإن تـتـولوا يستـبـدل قوما غـيركم ثم لا يكونوا أمثـالكم}.